يبدو أن شخصية ضابط أمن الدولة فى دراما رمضان هذا العام لها اهتمام كبير من قبل صناع تلك المسلسلات، وتكاد تشعر أن هناك حالة انتقامية من ذلك الجهاز الذى ظل لسنوات عديدة ممنوعا الاقتراب منه أو انتقاده، وعلى الرغم من اختلاف هذه الأعمال فى كيفية تناولها لتلك الشخصية، لكنها اتفقت جميعا على رغبتها فى إبراز تناقضاتها، وكيف كان صاحب هذه الوظيفة أداة فى يد النظام السابق، لتعذيب مواطنيه ومطاردتهم، وترويعهم بصور مختلفة. وانقسم الكُتاب فى تناول تلك الشخصية، ما بين ضباط دمويين مصابين بأمراض نفسية، تدفعهم لتعذيب المواطنين بصور مختلفة، وضباط ملائكة لا وجود لهم بشكل حقيقى فى جهاز أمن الدولة السابق فى عهد مبارك. الكاتب بلال فضل كان الأكثر صدقا فى تناوله لتلك الشخصية، فقد بدأ مسلسله منذ الحلقة الأولى بتقديم أسلوب جهاز أمن الدولة حينما يقوم بتأمين مكان يتوجه إليه الرئيس السابق مبارك، وكيفية اقتحامهم للمنازل، وإن كان قد غلب على مشهد الاقتحام لمنزل «عبدالناصر»، عبدالعزيز مخيون والد كريم عبدالعزيز، الكوميديا التى ربما لن تكون كذلك على أرض الواقع. قدم الفنان تامر ضيائى شخصية ضابط أمن الدولة بهدوء شديد جدا، وكان متحكما فى انفعالاته، خاصة أنه كما أكد له ضابط القسم الذى يزامله فى اقتحام منزل كريم عبدالعزيز يقتحم منزلا له طبيعة خاصة، وهذا الفعل صنع بينه وبين الفنانة دلال عبدالعزيز مشهدا كوميديا للغاية، وربما يظهر المشهد أيضا الوجه الآخر لضابط أمن الدولة الذى يراعى حرمة البيوت، ويراعى مشاعر الآخرين، وهو وجه ملائكى ربما يكون لا وجود له على أرض الواقع. تامر ضيائى الذى جسد دور «ياسر سرى» ضابط أمن الدولة الجديد، الذى يقتحم منزل كريم عبدالعزيز، أوضح ل«اليوم السابع» أنه لم يلجأ لضابط أمن دولة من أجل معرفة تفاصيل الشخصية، ولكنه تعامل مع السيناريو الذى كتبه بلال فضل بحرفية شديدة تجعل الممثل يرى أمامه الشخصية التى يجسدها من لحم ودم، وأيضا كانت لتوجيهات المخرج محمد على دور فى رسم الشخصية، بالإضافة لما وضعه تامر من تاريخ للشخصية وتفاصيل تخص انفعالاته فى كل موقف. وأوضح «تامر» أن المسلسل لا يهدف للإساءة، ولا لتمجيد ضباط أمن الدولة، ولكنه يقدم الشخصية وكيفية تعاملها فى الموقف الذى وضعت فيه، مضيفا أن أى شخصية درامية، مثلها مثل الشخصية الحقيقية، تحمل الشر وتحمل الخير. يظهر أيضا خلال مسلسل «باب الخلق»، للنجم محمود عبدالعزيز والمخرج عادل أديب والمؤلف محمد سليمان، أكثر من وجه لضباط أمن الدولة، من خلال الشخصيات التى يجسدها أحمد فؤاد سليم وأحمد فلوكس وإيهاب فهمى، وتتفاوت شخصياتهم فى كيفية تعاملهم مع المتهمين، ما بين التعامل الأخلاقى لإيهاب فهمى، وغير الأخلاقى للباقين، ولكن ربما كان أحمد فؤاد سليم أقلهم صدقا فى تقديم تلك الشخصية، فقد جسد شخصية كبير ضباط أمن الدولة بانفعالات شديدة جدا، وعصبية زائدة عن حدها، بعيدة كل البعد عن الدهاء والذكاء وضبط النفس وكيفية انتزاع المعلومات من المتهمين. تعامل جهاز أمن الدولة ككل مع الإعلام قدمه مؤلف العمل محمد سليمان بشكل أقرب للواقع، فقد كان أمن الدولة يغلق فى وجه الإعلام أى محاولة لمعرفة المعلومات، وكان أحيانا يستخدم الإعلام فى توجيه ضربات لخصومه، وملاحقتهم وتوريطهم فى تصريحات عبر البرامج والصحف، وربما تكون أداة إدانة لهم مثلما فعل أحد البرامج مع الراحل طلعت السادات. يظهر أيضا وجه آخر لضباط أمن الدولة فى مسلسل «أخت تريز»، تأليف بلال فضل وهشام أبوالمكارم وحمدى عبدالرحيم وإخراج حسام الجوهر، حيث ظهر المنتج خالد حلمى فى الحلقة الثانية من المسلسل فى دور ضابط أمن الدولة «أحمد سلطان»، وجسد «حلمى» الشخصية ببراعة شديدة، وأظهر الوجوه المتعددة لضابط أمن الدولة، بما يؤكد أن ذلك الضابط له وجه فى عمله يختلف تماما عن وجهه فى منزله، أو مع أصدقائه وجيرانه. وقد أوضح خالد حلمى ل«اليوم السابع» أنه بالفعل اتصل بعدد من أصدقائه الذين يعملون ضباطا فى الأمن الوطنى، أو أمن الدولة سابقا، وحصل من خلالهم على معلومات مهمة جدا، استفاد منها فى تجسيد الشخصية، خاصة أن المسلسل يظهر كيفية تعامل ضباط أمن الدولة مع المسلمين والمسيحيين، وهذا الجانب لم يلتفت إليه أحد من قبل. وقال «حلمى»: كنت أتعايش مع الشخصية معايشة مرحلية، بمعنى أننى بمجرد ارتداء ملابس الشخصية، والتوجه لمكان التصوير، أتعامل وكأنى أحمد سلطان ضابط أمن الدولة، وليس خالد حلمى، وهذا التعايش يفيدنى جدا فى التعامل مع الشخصية. ويضيف «حلمى»: ضابط أمن الدولة، بخلاف وظيفته، هو فى النهاية إنسان له انفعالاته فى إطار وظيفته وخارج إطار وظيفته، وكل مهنة بها الصالح والطالح وبها الشرير، ويجب ألا نضع الجميع فى سلة واحدة، بالإضافة إلى أننا لابد أن ندرك أن صاحب هذه المهنة يقوم بدور مهم فى المجتمع إذا أداه على أكمل وجه، والدراما تتعامل مع الواقع.