ولا زلنا نحتفل بقرار وتوصية رئاسة الجمهورية بالاهتمام بتراث الإذاعة والتلفزيون المصري.. والذي أرى ضرورة تشكيل لجنة محايدة من الخبراء يتمتعون بنوع من الحصانة يمكنهم من إقتحام اعشاش الدبابير لفحص هذا التراث.. ما سرق منه.. وما فقد.. وما نهب.. وما خرب وما تم بيعه.. لابد أن تكون الخطوة الأولى حاسمة في محاسبة كل من أضاع بقصد أو بأهمال – جزءا عزيزا من مقدرات هذا الوطن. أما عن السينما فالكارثة أكبر حيث كانت السينما فيما عدا فترة كانت السينما فيها- عدا فترة القطاع العام – مجالاً متنوعا يجمع بين منتجين حقيقية وتجار ورجال صناعة.. لم تزد اهتمامات معظمهم عن فكرة تحقيق ربح سريع وتدوير رأس المال في مدة قصيرة لا تضاهيها أي صناعة أو تجارة أخرى.. وفي غياب جهة موحدة تأخذ على عاتقها مهمة صون وحماية المصنف الفني (أي كانت جهة إنتاجه) مثل الأرشيف القومي الذي نقترحه ضاعت المسئولية وتفرقت بين (الملاك) وآل موضوع حفظ التراث أما إلى موظفين فاسدين أو غير مقدرين لأهمية تصرفهم في كنوز أو (ملاك) وصل الأمر ببعضهم إلى حفظ النيجاتيف تحت (السرير) حرفيا. وللإنصاف أيضاً فقد كان القانون يلزم المنتج السينمائي الحر بأن يودع في أرشيف المركز القومي للسينما ما سمي وقتها بنسخة الايداع وهي نسخة موجبة نعرف جميعاً أن المنتج كان يختارها من بين أسوأ نسخ العرض صوتاً وصورة وكانت تودع في الغالب بعد أن تستهلك لشهور في آلات عرض منهارة.. وطبعاً كان (التواطئ) سيد الموقف في قبول هذه النسخة بالمركز ثم في ابداعها بمخزن غير مكيف تحولت فيه كثير من هذه الأشرطة إلى (بودرة) بفعل الحرارة والتخزين السئ وفي غياب الرقابة فقدت الكثير من هذه الأفلام (إما أنها كانت ترسل للخارج بدعوى مهرجانات أو أسابيع ثقافية) ثم لا تعود نهائياً للمخازن دون محاسبة أو مراقبة غير أنها كنسخة موجبه كانت تتأكل وتصبح غير مؤهلة للعرض لا بصريا ولا صوتياً.. كهذا كان الحال بالمركز. وقد أجريت جرداً وحيداً لكل مخازن المركز أثناء فترة رئاستي القصيرة وقد اشتمل الجرد على عدد هائل من المخالفات تم تحويلها إلى النيابة المختصة واكتفيت حينها بابعاد المسئول ا لذي كان يجمع بين منصبين لا يمكن الجمع بينهما هما "مندوب المبيعات" و "مندوب المشتريات" لنفس المخزن لك أن تتخيل ماذا يمكن أن يفعل القط إذا سملته مفتاح الكرار!! أما عن تحقيقات النيابة فقد تكفل موضوع إحالتي للمعاش بعدم قدرتي على متابعة الملف. لا أعرف – ولا أدعى – علمي بما كان يحدث للأفلام في كافة المؤسسات الأخرى ولكن للإنصاف أيضا – علمت أن الأستاذ ضياء رشوان الرئيس الحالي للهيئة العامة للإستعلامات شرع أو انتهى من ترميم كنور هيئته من أفلام ومن ضمنها جريدة مصر الناطقة التي كانت تعرض على المشاهد في جميع دور العرض فيلما مصورا سينمائيا عن احداث الأسبوع أو الشهر مما يعتبر وثيقة بالغة الأهمية للأجيال القادمة. كنت – مع بعض الفنانين – في زيارة المحترمة الدكتورة فايزة أحمد أبو النجا بمكتبها بالوزارة حيث جاء حديثنا عن صناعة السينما وفوجئت بها تستبقيني بعد الاجتماع وتعلن حماسا شديدا لفكرة الأرشيف القومي واستعدادها للمساعدة في أفكار عن تمويلها عالمياً. حددت الوزيرة المحترمة موعدا لي مع مسئول الإتحاد الأوربي في مصر عن النشاط الثقافي والفني.. وذهبت بملف متواضع وفوجئت بحماس الرجل حتى أنه عرض أن يدعم الاتحاد الأوربي المشروع بمبلغ يزيد عن ضعف ما طلبت كبداية.. وللأسف كان قرار إحالتي للمعاش أسرع من جهدي المتواضع ولو أني حملت مواقفة الرجل موثقة للسيد وزير الثقافة وقتها مطالباً بمجرد المتابعة.. والنتيجة طبعا معروفة...!! كنت في زيارة لباريس وحدث أن التقيت بالمسئول عن السينماتيك الفرنسي وقد أخبرتني – والعهده عليها – أن قد خصصت 250 الف يورو كرقم مبدأي (سنة 2010) لدعم الأرشيف القومي للسينما المصرية وتم رفع مقاسات (قصر الأمير طوسون) كموقع محتمل للأرشف وتم تصميم كامل للمشروع.. ولما لم تبد وزارة الثقافة أي حماس للمشروع ثم سحب المبلغ وتجاهل الحكاية كلها..