«فى العالم اللى إحنا عايشين فيه، دليلك الوحيد هو قلبك».. بهذه الجملة اختُتمت أحداث مسلسل «أثينا» الذى عُرض ضمن مسلسلات النصف الأول من موسم دراما رمضان 2025، من إنتاج الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، وعًرض على قناة الحياة ومنصة Watch It، بطولة ريهام حجاج، وأحمد مجدى، ونبيل عيسى، الذين قدموا جرعة مكثفة من الدراما النفسية شديدة الحبكة، التى دارت أحداثها حول الصراع بين الإنسان وعالم الذكاء الاصطناعى. واكتسب مسلسل «أثينا» من تأليف محمد ناير وإخراج يحيى إسماعيل، أهمية استثنائية، حيث تزامن عرضه فى وقت تتعالى فيه مخاطر الأزمات النفسية وسط منطقة تموج بصراعات لا تنقطع، وتتزايد خلاله تهديدات حروب الجيل الرابع إقليميا ودوليا، كما تتفاقم معه بلا شك التحديات التى تواجه الأسرة المصرية لرسم ملامح علاقة آمنة بين أبنائهم والتكنولوجيا الحديثة.. وهى جميعها عوامل جعلت من «أثينا» أكبر كثيرا من مجرد مسلسل، وإنما دليلا واضحا على دور الدراما فى تعزيز القوة الناعمة. رحلة طويلة خاضتها البطلة ريهام حجاج «نادين»، المراسلة الحربية التى تعانى نفسيا من أهوال الحرب، والتى تجمعها بوالدها علاقة يسكنها الاضطراب، وهى أيضا الحبيبة التى تعيش علاقة رمادية بين الصداقة والحب مع زوجها السابق يوسف، ضد كيان مجهول من «الذكاء الاصطناعى» يحمل اسم إلهة الحكمة والحرب عند قدماء الإغريق «أثينا»، وذلك بعدما تسلل ذلك الحساب إلى كثيرين بداعى الصداقة، ليوجه ويرشد ويحرض، ويدفع فى بداية الأحداث شقيقتها «مى» لمحاولة انتحار، ما أدى إلى دخولها فى غيبوبة عميقة. فى اللحظة التى ألقت فيها «مى» بنفسها من الشرفة، انطلقت نادين فى رحلة مليئة بالألغاز لكشف سر «أثينا»، خاصة بعدما اكتشفت أن ذلك الكيان يستدرج أيضا زملاء «مى» فى الجامعة إلى المصير نفسه، عن طريق معرفة أدق أسرارهم ومشاعرهم الدفينة، ليزحف بنعومة ثعبان لداخل أفكارهم ثم يستخدمها للتلاعب بهم نفسيا، حتى يصبحوا تحت سيطرته التامة، وعندها يبدأ فى دفعهم لمصير يراه هو السبيل الوحيد لتصحيح الخطأ والهرب من حياة لا تناسبهم، وهو الانتحار، مع ربط تلك اللحظة بكلمة سر عبارة عن أغنية شديدة العذوبة وهى أغنية «أسرح وأتوه» لأمير عيد. لا تسلم «نادين» من محاولات «أثينا» إاستدراجها لفخه، الفخ الذى وقع فيه «مى وآدم»، وكاد أن يسقط فيه «مروان وفريدة»، بينما نجت منه داليدا بعدما آثرت ألا يتلوث قلبها بالحقد تجاه من تسببوا فى متاعب نفسية لها أثناء طفولتها، وذلك بعدما أدركت أن فى الحياة ما تستحق النجاة من أجله، وأن تجارب الماضى تساعدنا على تخطى متاعب المستقبل. مع كل ورقة تسقط وقناع ينكشف، تتضح الحقيقة وهى أن عدونا الحقيقى نحمله دوما بين أصابعنا، عدو صنعه الإنسان لمساعدته باعتباره مجرد آلة، دون أن يدرك أن تلك الآلة عديمة الإنسانية تنمو وتتطور يوما بعد يوم، حتى وصلت للحظة التى تحاربنا فيها بإنسانيتنا، لأن الآلة عكس البشر لا تمتك مشاعر ولا أحاسيس ولا تجارب إنسانية، لا تشعر بالضعف أو الحزن أو السعادة، ليس لديها رصيد من التجارب المؤلمة والصعبة التى تجعلنا ننكسر ثم نبعث مرة أخرى من رماد إلانكسار، لذلك أصبح السبيل الوحيد أمام تلك الآلة التى صنعها البشر، هو السيطرة على البشر أنفسهم ومن نقطة ضعفهم، وهى إنسانيتهم، حتى تتطور هى ونضعف نحن، الأمر الذى يكشفه بوضوح مدلول اسم «أثينا» آله الحكمة والحرب، فهى تستخدم حكمتها وتطورها التكنولوجى لإعلان الحرب على البشر. «فى العالم اللى إحنا عايشين فيه، دليلك الوحيد هو قلبك» بعد رحلة طويلة لم تخضها نادين وحدها، بل خاضتها معها كل شخصيات العمل، فى ظاهرها مواجهة ل«أثينا»، لكنها فى الحقيقة كانت مواجهة لمخاوفهم وآلامهم وانكساراتهم، فجميع الشخصيات هى بشر تخطى وتصيب وتعانى وتحاول المضى قدما، بداية من نادين التى تعانى من عقدة ذنب لا تهدأ تجاه أصوات المظلومين بعدما توقفت رغما عنها عن إيصالها، وتجاه شقيقتها التى تخلت عنها بسبب خلافها مع والدها، و«يوسف» الصحفى الذى يسعى لفضح الفاسدين، لكنه لا يتردد فى استخدام طرق ملتوية لذلك الغرض، و«أدهم» أستاذ الجامعة الذى يبذل كل ما فى وسعه لمساعدة طلابه، لكنه فى الوقت نفسه مدمن كحول ولا يستطيع التخلص من سيطرة والدته على حياته وعمله، رحلة صعبة خاضتها الشخصيات حتى تتصالح مع ذاتها، وتدرك أن استيعاب نقاط ضعفها هو ما يجعلهم بشرا. «أنا نادين.. أنا إنسانة.. بشر زيكوا» انكشف سر «أثينا» وانتصر البشر عليها فى تلك الجولة، وأعطى كل شخص فرصة ثانية للتصالح مع نفسه وتقبلها كما هى، وفرصة أخرى للآخرين، لكن ذلك لا يعنى نهاية الحرب التى ما زالت طويلة حتى تأتى اللحظة التى يتوقف فيها البشر عن الانصياع للذكاء الاصطناعى، ويعيدونه إلى موقعه الحقيقى «مجرد آلة». مسلسل «أثينا» عمل مهم يستحق المشاهدة، وستزداد أهميته يوما بعد يوم ما دام البشر مستمرين فى الخضوع لسيطرة الذكاء الاصطناعى.. وبلا شك سيحجز لنفسه مكانا فى خطط جمهور ما بعد موسم دراما رمضان، أو أولائك الذين لم يمتلكوا متسعا من الوقت للمشاهدة. على مدار الحلقات والأحداث، نجح كاتب العمل، محمد ناير، ومخرجه يحيى إسماعيل فى تقديم عمل شديد التماسك، مع الحفاظ على إيقاعه بشكل جاذب، ويحسب لبطلته ريهام حجاج ذكاءها فى تقديم دور بعيد كل البعد عن كل أدوارها السابقة، بأداء متزن أظهر معاناتها النفسية وصراعها لمقاومة محاولات «أثينا» للتسلل إلى عقلها، كما يحسب للعمل أيضا إعطاء الفرصة لعدد من الوجود الشابه، مثل «على السبع، وجنا الأشقر، ودونا إمام، وجيدا منصور، وسالم الوشاحى»، الذين أجادوا جميعا فى تقديم أدوارهم.