أنتمى إلى الجيل الذى انضم إلى مؤسسة الأهرام فى 1969 ومن ثم فإننى أنتمى اليوم إلى شباب شيوخ الأهراميين...ونحن على أبواب الاحتفال أو إحياء ذكرى ثورة 25 يناير 2011 لنقوى بها الآمال والطموحات ونعمل على تضميد الجروح فلابد من وقفة فيما يتعلق بأحداث الأهرام يوم السبت 14 يناير 2012. إن ما حدث السبت الماضى هو أن مجموعة من الصحفيين الذين أمضوا فى الصحيفة سنوات عمرهم احتجوا على رئيس التحرير لقيامه بعمل تعديلات وأجبروه على الاستقالة وهو ما وصفه رئيس مجلس إدارة المؤسسة الدكتور عبد الفتاح الجبالى، فى برنامج مانشيت على أون تى فى، بإجازة للراحة. فى ظنى أن ما حدث فى الأهرام هو انعكاس لما يحدث فى مصر فى كل مكان وهو رد فعل طبيعى لتراكمات سياسات خاطئة مدة طالت أكثر من 30 عامًا، حيث وفر لرئيس العمل صلاحيات الفرعون يفعل ما يشاء بغير حساب. ما ينطبق على الأهرام ينطبق على بقية الصحف المملوكة حالياً لمجلس الشورى الغائب عن الساحة منذ نجاح الثورة فى خلع المخلوع، أليست نكتة أن تكون هناك صحف ومالكها غائب؟ هذه المقولة تنطبق على بعض رؤساء التحرير ورؤساء مجالس الإدارات وفى مقدمتهم من عمل وكتفه فى ظل الرئيس المخلوع مدة 23 عاماً وترك الأهرام فى حالة مالية يرثى لها لأنه أتى عليه هو ورجاله ومازال حتى اليوم طليقاً كما لو أن شيئاً لم يحدث طوال السنوات ال 23 التى كان فيها على رأس المؤسسة التى كانت فى يوم من الأيام عملاقة. ولم يترك الأهرام فى حالة مالية سيئة فقط، بل تركها مكتظة بالصحفيين لأغراض فى نفسه متصلة بانتخابات نقيب الصحفيين بالنقابة حتى يكون للأهرام الأغلبية التى تكون الكفة الراجحة فى فوز النقيب. ولم يترك الأهرام فى هذه الحالة فقط بل جعل من غير المهنى رئيساً للتحرير والمهنى فى إجازة بدون مرتب أو يسوى معاشه بسبب عدم قبول الأهرام استمراره فى حالة لجوئه إلى العمل بالخارج. كما كان يوفد رؤساء مكاتب للأهرام فى الخارج بحيث يعين من لا يعرف لغة البلد مثلاً فى باريس فى حين يعين الآخر الذى يجيد الفرنسية بطلاقة فى أثنيا. ثم ترك انفلاتاً غير مسبوق فكثير من الأهراميين يكتبون فى صحف مستقلة أو حزبية، وكثير من الأهراميين يقدمون برامج فى القنوات الخاصة فأصبحت الفوضى كاملة. كما أنه خيَّر مجموعة على مجموعة فى الأجر والمزايا التى يصعب المرء تصديقها فوضع لبنة لتكرار هذا النمط مع رؤساء جاءوا من بعده. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد فقد أهدر من مال الأهرام خلال السنوات الأخيرة من وجوده ووجود آخرين من بعده 50 مليون جنيه مصرى سنوياً فى بند الهدايا بدون فواتير. ترك تركة مشرذمة لمن يخلفه وأصبح التراث السلبى الذى تركه ساحة مفتوحة للفوضى فضلاً عن وجود عدد لا بأس به من أعضاء لجنة السياسات ورجال مباحث أمن الدولة (سابقا) وغيرها من الجهات الأمنية (سابقا) يبرتعون فى المؤسسة فلم يعد هناك مقياس لقياس المهنية. المشكلة اليوم أن الهيكل القائم فى معظم مؤسسات مصر لا يعى أن ثورة عملاقه وقعت فى 25 يناير الماضى ولم تنته بعد وأن أحداث الأهرام وإن كانت قد تأسست فى عهد سابق إلا أنها لا يمكن أن تستمر بعد الثورة المصرية العظيمة. هناك عدة مقترحات لفك فتيل الأزمة فى الأهرام وغيرها من المؤسسات الصحفية القومية أولها العدل والعدالة فيتم وضع لائحة عادلة للأجور بحيث يتقاضى على سبيل المثال رئيس التحرير 10 أضعاف الصحفى الذى يتقاضى 4 آلاف جنيه فى الشهر. ثانيا: أن يختار الكتاب من الصحفيين ومقدمى البرامج بين البقاء فى الأهرام وأن يكون مجهودهم حصرياً للأهرام أو أن يصبح سلعة فى السوق رهن بما هو متوفر والطلب عليه. ثالثاً: علينا ألا ننسى أن كل من قفز من الأهرام إلى البرامج الحوارية أو إلى كتابة المقالات فى صحف أخرى قام بذلك لأنه حقق نجاحاً فى المقام الأول فى الأهرام ولم يكن هو وحده الذى حقق النجومية ولكن الأهرام كان هو شهادة التخرج والانطلاقة إلى العالم الخارجى من حوله. رابعاً: لابد من أن يجد الفلول من الكتاب مكاناً آخر غير الأهرام للكتابة على طريق تطهير الصحافة القومية، ولينزلوا إلى سوق الكتابة ولنرى كيفية استقبالهم، فلا يعقل أن يستمر أحد كتاب الأهرام فى الكتابة وهو كان المنظر فى مقالاته والمدافع والمبرر للرئيس المخلوع وحاشيته. إن استمرار تواجد هذه الأسماء على صفحات الأهرام تؤثر فى مصداقية الأهرام لدى مصر الثورة. خامساً: إعادة فتح مكاتب للأهرام فى أنحاء الكرة الأرضية حتى يعود للأهرام قيمته الاخبارية العالمية، إذ أن غياب التغطية الإخبارية من الخارج تؤثر فى مصداقية الصحيفة العملاقة التى كانت فى زمن أستاذ الأساتذة وواحدة من العشر الأوائل فى العالم. آخر الكلام فى قضية الأهرام كلام بسيط وهو تطبيق العدالة من الآن فصاعداً.. لا طريق غير العدالة والعدالة الحقيقية... مع المطالبة بإعادة أموال الأهرام المنهوبة فهذه هى معركة المعارك.