المشهد يتكرر من جديد مع اختلافات طفيفة فى الوجوه، ولما لا وقد انتقلت مصر من مرحلة سيئة إلى مرحلة أكثر سوءًا، وإذا كان مبارك المخلوع لم يكن يهتم بفقراء مصر وعامة الناس، فالمجلس العسكرى ينتهج نفس السياسة المتعجرفة ويزيد عليها مزيداً من العنف والقهر لأبناء الوطن، ناهيك عن الغباء السياسى الذى يتمتع به أعضاءه بلا استثناء، والذين باتوا يطلقون تصريحات نظام مبارك المستهلكة عن الأجندات الأجنبية والمخططات، وبنظرة على التحرير تكتشف أن مصر كلها تحمل أجندات أجنبية. أو بيانات على نمط بيانات مبارك للتهدئة والخداع، ليعيد إلى التحرير ذلك المشهد الثورى الذى أثبت أن كافة الأحزاب السياسية وأيضا التيارات الدينية لا تمثل المصريين بأى نسبة وأنهم كلهم مثل لاعبى السيرك لا يفلحوا إلا فى الاستعراضات، مثل السلفيين أو حزب الأتوبيسات الذين جاءوا للاستعراض ومضوا ، ثم تفرغ السياسيون المدنيون في إطلاق الدعوات لإخلاء الميدان، وهو نفس ماكانوا يفعلونه بالظبط وقت الثورة هؤلاء الذين يدعون أنهم هم الثورة. سيناريوهات يناير تتكرر من جديد، وهو أمر متوقع لورثة الرئيس المخلوع ،وهذا ليس على سبيل النعت فالمجلس العسكرى حتى هذه اللحظة يستمد شرعيته فى حكم البلاد من مصدر واحد وهو تكليف الرئيس المخلوع مبارك فى خطاب التنحى أى الذى أعلنه عمر سليمان نائب الرئيس المخلوع ، لذلك فالمجلس العسكرى منذ أن استولى على السلطة فهو حريص على عدم وجود أى تغيير حقيقى رافضا اولا تغيير الدستوروحرص على استمراره لكى تستمر شرعية النظام وهو الآن فى الدستور الجديد يريد أن يصبح فوق الدولة وربما يريد أيضا أن يكون فوق الدين. العسكرى لم يرث مبارك فحسب، وإنما يتبع سياساته ومنهجه أيضا فى استخدام فلول الحزب الوطنى مستغلاً إذلالهم الإعلامى فى أن يقايضهم على عودتهم السياسية مقابل الخنوع التام له، وهو نفس السبب وراء مسرحية العزل السياسى للفلول فالأحكام القضائية صدرت فقط ضد الفلول، التى لايحتاجها المجلس العسكرى أما الفلول التى يحتاجها فحصلت على شرعية عودتها السياسية بأحكام قضائية ، وهى سياسة أقرب كثيراً من سياسات أحمد عز فى انتخابات 2010 المزورة ، التى كان يضحى فيها بمرشحين من الحزب الوطنى لصالح مرشحين آخرين. كل هذا يتوج بتصدير حكومة هزيلة يتولاها الدكتور عصام شرف الذي لا يصلح أن يكون رئيس حى وليس رئيس حكومة ، تلك الأنانية التي يدير بها المجلس العسكرى أو ربما مثلما يشاع أنه يريد تأمين خروجه من السلطة حتى لا يتعرض لمصير مبارك، أشعلت غضب المصريين مرة آخرى، هؤلاء الذين لم يشعروا بثمة تغيير على الإطلاق سواء فيما يتعلق بلقمة العيش وهى الأهم لجموع المصريين أو سياسيا ، إن روشتة التغيير ليست خيالية فهى معروفة وتسير عليها الثورة التونسية بنجاح كبير، وكل مصرى يعرف أن عقب الثورة كان يجب انتخاب مجلس تاسيسى لوضع الدستور ثم انتخابات رئيس جمهورية انتقالى وبعدها انتخاب مجلس الشعب، أما اختراعات المجلس العسكرى من مهاترات سياسية لا يعبر إلا عن توفر سوء النية للمجلس العسكرى ، وآخرها وثيقة السلمى التى قالوا أنها غير إلزامية، واذا كانت غير إلزامية فما هو سبب أصدارها. العسكر الذين لا يفقهون فى السياسة شيئاً ومع ذلك مستمرين فى الإدارة الرعناء للبلاد، تارة يشتبكوا مع تنظيم شبابى لا تقاس قوته بالقوات المسلحة وهم 6 إبريل وتارة أحدهم يتشاجر مع مذيعة مثل دينا عبد الرحمن ، وأخيرا يتحصنوا وراء اسم الجيش لابتزاز مشاعر المصريين، ومحاولة قمعهم باستخدام هيبة الجيش التى يعد الاقتراب منها بمثابة انهيار للدولة، والواقع أن المجلس العسكرى من الصعب ان نختزل فيه القوات المسلحة. كل هذا النتاج الطبيعى لنفاق العسكر والموافقة على ادعائهم بأنهم حماة الثورة ومن قال أصلاً أنهم حموا الثورة، ومعركة الجمل وقعت أمام أعينهم ومباركتهم. ومما يؤكد أن الأحداث تسير على خطى يناير، أن رئيس المجلس العسكرى يسير على نفس خطى مبارك، ولا ننسى أن نظام مبارك بدء فى الانهيار بعد أن سدد طلقاته أولاً فى صدر الأقباط بأحداث العمرانية، ثم تورطه بشكل ما فى حادث القديسين ثم تسديد نفس الطلقات فى صدر المصريين جميعاً في 25 و28 يناير، ومواجهة الغضب الجماهيرى ببطش قوة الأمن وكل هذا مصحوبا بباقة متنوعة من أكاذيب التليفزيون المصرى ، هذا السيناريو الذى يسير رئيس المجلس العسكرى عليه بمنتهى الدقة ، وكلمة السر هم الأقباط أيضا الذى نتج عن سياسته تجاههم من بطش وظلم ، على مدار 6 أشهر كانت بداية انهيار مكانته بين المواطنين واهتزاز نظامه، وكما دهستهم مركباته أيضا سددت ضربات عساكره إلى المواطنين، الذى وصفهم تليفزيون الدولة برئاسة أسامه هيكل بالمشاغبين والمجرمين ، متبعا نفس منهج أنس الفقى. أما الشرطة فهى لم تنسى أن هؤلاء المواطنين العزل السلميين هم من نزعوا سلطانهم على الشارع المصرى، وأغلقت أبواب الرشوة والفساد فى هذا الجهاز، ولم يكن الأمر يحتاج أكثر من فرصة للانتقام من المواطنين منحهم إياها المجلس العسكرى بل شاركوهم في الانتقام من المصريين. وكما حدث في ميدان التحرير من رفض الثوار لكل أراجوزات السياسة ومدعين المعارضة، رفض أيضا الثوار فى نفس الميدان كل مدعين الوطنية والمعارضة، ومازالوا عند ثورتهم يرفضوا دعاة الدولة الدينية وأراجوزات السياسة، ويصروا على دولة مدنية حقيقية بعيدة عن الدين والعسكر لا يقفز عليها من المستغلين. ومطالب المصريين الآن لا تحتاج لسفسطة ومهاترات، وتتلخص فى تكوين مجلس مدنى رئاسى انتقالى للمرحلة المقبلة، يهتم أولاً بتحسين الوضع الاقتصادى، ثم لجنة تأسيسية محايدة تضمن وضع دستور توافقى، مع العلم أن مجلس الشعب ليس من اختصاصه وضع الدساتير، ثم انتخاب البرلمان وقبل أى شئ رحيل العسكر من السلطة وتطهير الشرطة من منهجها وقتلتها.