العلامة المصرى يعقوب نخلة روفيلة من مشاهير الأقباط فى القرن التاسع عشر، ولد فى عام 1847م وتوفى إلى رحمة الله عام 1908م، عاصر البابا كيرلس الرابع الملقب بأبى الإصلاح المصرى، يعتز به كل المصريين، أتقن الإنجليزية والإيطالية، وتعمق فى اللغة القبطية، وله عدة مؤلفات فى تعليم هذه اللغات. أهم مؤلفاته كتاب "تاريخ الأمة القبطية"، وهو أول كتاب يحكى تاريخ مصر والمصريين باللغة العربية. فى هذا الكتاب عرف نفسه بأنه الفقير إلى الله تعالى بتواضع وتدين المصريين الذى يعرفه القاصى والدانى فى هذا العالم. خرج الكتاب فى طبعتين الأولى عام 1898م والثانية عام 2000م. أهم المعانى التى حملها لنا هذا العلامة فى كتابه: 1. إن تاريخ الأقباط بدأ فى القرن الأول الميلادى، وإن حضارة الأقباط تمتد جذورها فى التربة الفرعونية. وعموما لاحظ الكاتب يعقوب نخلة أن تاريخ الأقباط مجهول، إذ لم يفرد له المؤرخون كتاباً خاصاً، وفى نفس الوقت اهتمت الدول الاستعمارية بالدراسات القبطية، وكتبوا فيها ما يخدم جهودهم الاستعمارية وأنشطتهم التبشيرية. 2. إن اللغة القبطية هى المرحلة الأخيرة من مراحل اللغة المصرية القديمة، واستمرت اللغة القبطية لغة لكل المصريين لعدة قرون بعد دخول عمر بن العاص مصر، ومازالت مستخدمة فى طقوس الكنيسة المصرية العريقة، وتقام بها الصلوات حتى اليوم، ومازال الفلاح المصرى يستخدم هذه اللغة فى تنظيم مواعيد زراعاته حتى اليوم. 3. ومن المعانى الجميلة التى حملها لنا هذا العلامة أن الأقباط جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع المصرى خلال عصوره المختلفة، إذ مر عليهم كل ما مر على جميع المصريين، فتاريخ مصر هو نفسه تاريخ الأقباط، وأن ما أصاب الأقباط من ضغوط اجتماعية واقتصادية هو ما أصاب المسلمين، وكان السبب الدائم لهذه الضغوط هو مزاج الحاكم وقواه العقلية. 4. إن كتابة التاريخ المصرى تهتم بالحياة السياسية والعسكرية وتاريخ الحكام بصفة عامة، ولا تهتم بالأحوال الاقتصادية والاجتماعية ودقائق الحياة اليومية للشعب المصرى، وعند كتابة التاريخ فى مصر يهتم الكتاب بإظهار الجوانب الإيجابية، والمرور سريعا على السلبيات أو تجاهلها. 5. إن فترة الحكم الرومانى لمصر كانت هى الأسوأ فى تاريخ الأقباط، حيث الشهداء بعشرات أو مئات الآلاف، حتى سمى بعصر الاستشهاد أو عصر الاضطهاد الرومانى للأقباط بسبب الهوية الدينية. وتحت هذا الاضطهاد الشديد أرسل بعض الأقباط فى طلب الخلاص من حكام الدولة الإسلامية بعد فتحهم بلاد الشام وهزيمة الرومان. 6. إن المصريين إجمالا لم يروا من بعد عمرو بن العاص أياما أحسن من أيام ابن طولون والدولتين الفاطمية والأيوبية. وأن الأقباط خاصة لم ينجوا من يد الأفرنج فى فترة الحروب الصليبية، ولم يسلموا من شرهم، حين حلوا بمصر، ولما وصلوا إليها فى أول مرة، نزلوا بمدينة الفرما، وقتلوا كل من كان فيها دون تمييز بين مسلم ونصرانى. هذا الكاتب المصرى العظيم كتب التاريخ بالطريقة الصحيحة، وبالطريقة التى ترضى كل مصرى، سواء كان مسلما أو مسيحيا، على العكس من كتابات الأجانب والمحتلين، حيث إن هؤلاء المستشرقين إنما أرادوا ذرع بذور الفتنة بين عنصرى النسيج المصرى، وكذلك التبشير بالمذاهب المسيحية لدى الأوروبيين مثل الكاثوليكية، ولدى الأمريكيين مثل البروتستانتية. مع احترامى الشديد لكل الديانات والمذاهب أنا كمصرى، أى مسلم قبطى، لا أوافق على مقولات هؤلاء المستشرقين من الأقباط، هم سكان مصر الأصليين، لأن أجدادى ببساطة مصريون منذ الفراعنة، ولكنهم اعتنقوا الإسلام كديانة، ولا يعقل أن إسلامهم ينكر عليهم أنهم من سكان مصر الأصليين. أنا كمصرى لا أوافق على اعتبار فتح مصر بواسطة عمرو بن العاص ومساعدة الأقباط لجيش المسلمين، ليخلصهم من الاستبداد والاستعباد الرومانى هو احتلال استيطانى، كما يروج البعض مع العلم أن نسبة العرب الذين سكنوا مصر بعد الفتح لا تتعدى 5% حسب المؤرخين، والبقية مصريون أصليون منهم من بقى على مسيحيته، نكن له كل الاحترام والحب، ومنهم من اعتنق الإسلام لأى سبب مهما كان. حاول كهنة وسدنة الحقبة الاستعمارية وأيضا سدنة وكهنة الاستقواء بالخارج استعمال كافة الطرق لتضخيم وتهويل مشاكلنا الداخلية، ووضعها فى إطار اضطهاد منظم، مع علمهم باستنكار كل المثقفين ورجال الدين لهذه الأفعال المصطنعة والمدعومة من الأعداء. وما نراه اليوم من قلة قليلة من أقباط المهجر من شطط يتماشى مع هذه الأفكار الاستشراقية، التى تحمل مغالطات تاريخية، فنرى بعضهم يطالب بإقامة دولة قبطية على غرار دولة جنوب السودان، والبعض يطالب بالحكم الذاتى للأقباط وآخرين، يطالبون بالحماية الدولية للأقباط، وبكل أسف آخرون يطالبون بمواد فى الدستور، خاصة بالأقباط، كل ذلك هو نتاج كتابات بعض المستشرقين عن التاريخ المصرى من وجهة نظر الاستعمار القديم والحديث. وكل ذلك ليس له هدف إلا الهدف القديم، وهو التدخل الأجنبى فى مصر، وخاصة بعد ثورة مصر المباركة، وارتفاع الأصوات التى تنادى برفض التبعية، ورفض المعونات التى سينتج عنها تدخل أجنبى فى حياة المصريين. من على هذا المنبر أدعو جميع المصريين لقراءة كتاب العلامة المصرى يعقوب نخلة روفيلة للتعرف على تاريخ المصريين من خلال كتابات الوطنيين الشرفاء، الذى يصب فى مصلحة وحدتنا الوطنية، ويصب فى صالح قوة مصر ووحدة شعبها ووحدة أراضيها ويعزز ثقافة الانصهار. هيا بنا نرفع شعار إلى مزيد من التعارف بين أبناء الوطن الواحد وأصحاب الدم المصرى الواحد، وسلمت مصر من شرور الفتن.