إذا كانت الثورات يخطط لها الأذكياء وينفذها الشجعان ويسرقها الجبناء، فقد حاولت التعبير عما يدور فى نفسى عن فرحتى بها، وعن مخاوفى من إجهاضها قبل أن تسرق ولكننى وجدت من يعترض طريقى، فاخترت أن أواصل السير وأتركهم لنباحهم، ومع ذلك لازلت أتلفت خوفًا من أنيابهم. وإذا ما كان نحو 18 مليون مواطن من أصل 43 مليوناً لهم حق الانتخاب هم الذين توجهوا للإدلاء بأصواتهم فى استفتاء 19 مارس على تعديلات الدستور، فإن الباقين الذين قد أحجموا أو تكاسلوا أو تشككوا هم الحاضرون الغائبون، ومن المؤكد أنهم حائرون. وإذا ما كنا قد وقفنا فى مفترق طرق بعض الوقت قبل الاستفتاء، فإن بعضنا قد اختار طريقه عن قناعة وقراءة وتحليل، والبعض الآخر كان مسيرًا على نحو ما بينما ظل الباقون يتحسسون طريق الاستقرار، أملاً فى ظهور ضوء شارد، فلم يهتدوا أو يهدئوا حتى الآن! أنا مواطن مصرى من هؤلاء يا سيادة رئيس الوزراء.. أنا كنت أخاف من رجل الشرطة وأتحاشاه، والآن أرى فى عينيه نظرة انكسار وأشعر أنه يتجنب نظراتى، أنا كنت ألوم مع اللائمين على مباحث أمن الدولة بأنها تتبع عورات المعارضين، والآن الصحافة القومية والتى التصق رؤساؤها بمقاعدهم تقوم بنفس الدور، تلفق وتنشر خرافات على أنها حقائق وتتبع عورات المواطنين! وتغتال المئات منهم معنوياً بدم بارد، وكأننا فى محاكم تفتيش جديدة بلا رقيب ولا ضمير، والوضع أيضا فى الحالتين لا يرضينى. لقد كنت أنا وهم جزءًا من هذا النظام الذى أصبح سابقاً، واليوم استبعدوا أنفسهم واتهمونى بأننى كنت بمفردى جزءاً من هذا النظام، فتعاملوا معى بمنطق من لم يشاركنا فليس منا! مع أن غالبيتهم كانوا من المتفرجين الذين تفرغوا قبل التنحى لقياس اتجاه الريح حتى صاروا الآن من المتحولين. أنا لم أظلم أحدًا ولم أنافق مسئولاً ولم أسرق مليماً، ومع ذلك يخوض البعض فى ذمتى وشرفى بالباطل، بل وبفجور، ومن قبل كنت أستطيع أن أقاضيه فيرتدع، والآن يخرج من يسانده ويؤيده ويشجعه حتى يضيع حقى وسط ضجيج الدهماء والسوقة، فالحق الآن هو الشىء الوحيد الذى لا يريد أحد أن يصدقه كما قال برنارد شو. أنا لم أقرأ دستور بلادى قبل 25 يناير، ولم أنتمى لحزب سياسى أو تيار دينى أو حركة إصلاحية، وبعد الثورة تُركت لبرامج الفضائيات ومنتديات المقاهى ورجال دين ودنيا، ليعلموننى الفرق بين لماذا أقول لا وحتمية الانقياد لنعم..! وهى فى الأصل مسئولية من يحكمنى ويحمينى، ولم أجد فقيهًا دستورياً يعلمنى إياها ببساطة بعيدًا عن فلسفة القوانين. أنا يا سيدى من ستلتهمه نار الفتنة مع أننى منذ نعومة أظافرى لا أجد فرقاً بين مسلم ومسيحى، ففوجئت بمن يهدم كنيسة جارى، ويقطع أذن صديقى!! كم كثيرة هى الأمور التى اختلطت على وأشقتنى واستحكمت فلم أعد أقوى على المشاركة، وداهمنى شعور بالخوف على بلدى.. على أولادى.. على مستقبلى، واستولت علىّ الحيرة تماما إلا قليلاً.. فأنا مازلت على قناعة بأن الشهداء الذين ضحوا من أجلنا يستحقون منا أن نصبر ونتحمل تلك الصعاب، حتى نستكمل مسيرتنا، ونعبر هذه المحنة، ونتغير فعلاً لا قولاَ كما كتبت لك من قبل. ولكن لكى تكتمل قناعتى وتشتد ثقتى فى المستقبل ويزيد تفاؤلى، أناشدك ثلاثة أمور: الحسم والشدة فى ظل سيادة من القانون، فإذا ما فقدت إحداها أو غلبت واحدة على أخرى، فاعلم وتأكد أنك لن ترضى أحدًا، وإذا ما كانت الشعبية تكتسب من الميدان، فإن الشرعية هى التى تستمد من القانون. أنا مواطن عادى ممن لم يذهبوا للاستفتاء، فلا تدعنى أتخبط ولا تتركنى حائراً.. هدئ من روعى وابعث لى دوماً برسالة أمل حتى أقوى وأكون قادراً على العمل، وعلى الإنتاج، وعلى التوجه لصناديق الانتخابات القادمة، وعلى مشاركتك فى الإصلاح ما استطعت، وثق وقتها أننى لن أخذلك أبدًا ما حييت.