رسم المصريون أجمل لوحات الانتماء الأفريقى عندما اصطفت الكراسى فى مختلف المقاهى المترامية. فى مشهد يذكرنا بنهائى كأس العالم للشباب والذى احتضنه استاد القاهرة، وكان أحد أطرافه نفس الفريق الذى تجمعوا من أجله الآن، وكان يلعب به أكثر من لاعب ممن يمثلون منتخب بلادهم فى المونديال.وكم كانت دهشة بعض من "الأمريكان " الذين آثروا مشاهدة المباراة فى الهواء الطلق فى ذلك اليوم الذى تميز بجوه اللطيف وهواءه العليل. كانت دهشتهم نابعة من الفرحة التى كانت تنطلق من القلب مع كل هدف يحرزه المنتخب الغانى "الأفريقى" ومع كل هجمة يهدرها. وتلك الأنفاس المتلاحقة مع كل هجمة على مرماه. ربما لأنهم لم يعرفوا أن لدى المصريين ذلك الانتماء "الأفريقى" المتأصل داخلهم . والذى لم ينحسر ولم يتقهقر حتى مع انحسار التوجه الحكومى تجاه القارة السمراء . والذى أدى بنا إلى اليوم الذى أصبحنا نتحدث فيه عن تحالفات بخصوص مياه النيل صوت مصر فيها لا يعتد به . وكأنما كان ذلك التهميش رداً على التهميش الذى طال أمده. مصر التى تعد بالنسبة للأفارقة منارة الإسلام الأولى فى أفريقيا .والتى كانت –بعد خروجه من أرض الحجاز – المهد الحقيقى لانتشاره فى ربوعها . بلد الأزهر الذى كان توافد أبناء القارة عليه أمر بديهى مما خلق نوعاً من العلاقة الخاصة بين مصر وبين أرجاء القارة المظلمة . وساهم على تقويتها مساهمة مصر على الصعيد السياسى أيضاً للخروج من ظلام الاستعمار والعبودية . عندما ساعدت حركات التحرر المختلفة حتى باتت أسماء الزعماء والمناضلين مألوفة لدى الشارع المصرى . والتى تحولت "بقدرة قادر" إلى الاهتمام بأهم لاعبى المنتخبات والفرق الأفريقية . فبعد ان كان " نكروما" و" سيكوتورى " ملء السمع والبصر فى محيط اهتمام المصريين . أصبحت كل حصيلة معلومات هذا الجيل تتلخص فى " ايتو " و"دروجبا" و" ايسيان"، ترى كم واحداً يعرف أن "نكروما " كان زعيم غانا التى شجعوها اليوم والمفارقة أنه قد تزوج بالمصرية " فتحية" فى عهد عبدالناصر..! ربما كان هذا تشبثاً بإرث طالت مدة الابتعاد عنه. أو أن المصريين أرادوا الرد على التجاهل الحكومى لأفريقيا بطريقتهم الخاصة . إيمانا منهم بدورهم –كشعب قبل الحكومة- تجاه قارتهم بحكم كونهم البوابة الشمالية الحقيقية الواقفة تجاه الاستعمار . ليس فقط بالسلاح العسكرى ,وإنما أيضا بسلاح الثقافة وروابط الإخاء والعلاقات الوطيدة بين أبناء القارة الواحدة. ولن ينسى المصريون أبداً كيف أحبط الأفارقة كل مساعى التوغل الإسرائيلى بالتعاون مع مصر، قبل أن يدركوا فى الوقت الراهن أن ذلك لم يعد يشكل فارقاً معها. ربما كانت الحكومة مشغولة حالياً بتوطيد علاقاتها مع العالم الجديد الذى يريد أن يضع كافة الأرجاء داخل القرية الصغيرة التى أخبرونا عنها، لعل السيطرة وقتها تكون أسهل بعد تقادم فكرة الاستعمار. لكن أبناء هذا الوطن يثبتون كل يوم أنهم أكثر وعياً وإدراكا- رغم كل التغييب – بما لهم ..وما عليهم. عاشت مصر عربية ..أفريقية.