نشبت من جديد أزمة انقطاع التيار الكهربائى فى غزة مع إيقاف الاتحاد الأوروبى لدعم محطة توليد الكهرباء بغزة، الأمر الذى تسبب فى الأضرار والخسائر الفادحة على مستويات مختلفة، ولكن هذه الأزمة مثلما كان لها تأثير سلبى، كان لها تأثير إيجابى تمثل فى ازدياد حالة التواصل الاجتماعى والتحابب وراحة الدماغ وتوفير المال، مثلما قالت وكالة الصحافة الفلسطينية فى تقرير لها. محمد عناية (61 عامًا) وهو صاحب متجر السمانة وسط مدينة غزة يكتفى ببضع من أحزمة أشعة الشمس الدافئة التى تطل من نافذة متجره العلوية لتنير دكانه الذى لا تتجاوز مساحتها العشرين متراً مربعاً. ويشير عناية، والذى لم يعد يكترث لانقطاع أو وصول التيار الكهربائى لمتجره الصغير إلى أن انقطاع الكهرباء لساعاتٍ طويلة، غيَّر كثيراً من حياته وحياة أقرانه من كبار السن، فقد باتوا يشعرون أنهم موضع اهتمامٍ أكبر من أقربائهم وأبنائهم، خاصة من المتزوجين منهم الذين يعيشون فى منازل منفصلة عنهم. ويضيف عناية أن كلتا ابنتيه المتزوجتين من نحو عام، أصبحتا تزوران منزله بمعدل 3 – 4 مرات أسبوعياً، حيث يحملان أغراضهم وبعضاً من الحلوى التى أعدتهما بنفسيهما، إضافةً إلى أحفاده الذين يملئون البيت صراخاً وإزعاجاً، الأمر الذى يفضله على صوت مولدات الكهرباء، وكذا فإن العديد من جيرانه وأصدقائه فى الحى الكائن فى النصر شمال المدينة أصبحوا ينالون رعايةً أكثر من قبل أبنائهم وزوجاتهم. وقال: إن "اجتماع الأسرة سوياً خصوصاً فى الليل له طابعٌ خاص، فالكل يشعر بالرغبة فى تقديم المساعدة وسط جوٍ أسرى متعاون ومتكاتف، وربما لا تعرف من يقوم بذلك نظراً لظلمة المكان". وتوافقه زوجته عواطف (53 عامًا) الرأى تماماً، فهى تنتظر زيارة ابنتيها بفارغ الصبر، رغم ما يسببه أحفادها من إثارةٍ للمتاعب الطفولية وخسائر بعض التحف والأطباق، إلا أنها تنتظر قرب حلول المغرب ليتحلقوا جميعاً حول بضع شموعٍ بيضاء يتسامرون على شعلاتها أحاديث جانبية. سميحة فروانة (55 عاماً) والتى ما زالت تحتفظ بقوتها البدنية تقول إنها أصبحت أكثر تنظيماً فى حياتها اليومية. وتضيف فروانة أن انقطاع التيار الكهربائى يجبرها على الاستيقاظ باكراً لتنظيم يومها العملى مع زوجات أبنائها الثلاث، من غسيل وكى الملابس واستخدام السخان الكهربائى، قائلةً "لما تيجى الكهربا بتكون المياه انقطعت"، كما أننا نقنن استهلاك الكهرباء والماء إلى النصف وذلك ما يظهر فى الفواتير الشهرية". وتًعد فروانة بعضًا من فوائد قطع الكهرباء التى وصفتها بأنها مفيدة للصحة، حيث تقول إنها تقلل نسبة الضجيج الحاصل عن الأدوات الكهربائية فى منزلها، وطالب الجامعة ليريح عينيه، والمضغوط نفسياً ليجد شيئاً يصب غضبه عليه، أو ليتأمل فى مشاكله أين كان وأين وصل. فى حين، لم يخفِ الموظف توفيق البلتاجى (28 عامًا) سخريته من استمرار معاناته من انقطاع التيار الكهربائى، حيث يقول ساخراً "بانقطاع الكهرباء فإنك ستنام مرتاحاً دون أن تستمع إلى جلطات سياسية عبر نشرات الأخبار". وتابع "كما أنك ستنام وتستيقظ باكراً، وستضطر إلى بيع أدواتك الكهربائية كنحاس وألمونيوم، أو أنك ستتنازل عن هاتفك النقال الذى فرغت بطاريته لطفلك لبضع الوقت، أو حتى قد تضطر العروس لاستخدام المروحة الورقية خوفاً من أن تفسد مساحيق التجميل على وجنتيها". أما الطالبة انتصار المصرى (25 عامًا) وهى موظفة فى إحدى الجمعيات الخيرية، فأبدت وجهة نظرٍ أخرى، إذ إن انقطاع الكهرباء - وفق ما ترى- أفضل الحلول لوقف حالات الطلاق، طالما أن انقطاعها يدفع بالأزواج لقضاء معظم الوقت خارج المنزل حتى عودة النور مجدداً. وتعتقد المصرى كذلك، أن العديد من زميلاتها فى الجمعية يستغللن فترات انقطاع الكهرباء التى تعطل المولد الكهربائى فيها بالجلوس إلى مديرة الجمعية "الدائمة الانشغال"- وفق قولها- لطرح مشكلاتهن عليها والسعى لتعزيز علاقاتهن المهنية بها.