حيوان اللؤلؤ حيوان شديد التفرد.. عالى الإحساس والذوق.. هش وغير قادر على التأقلم مع قماءة الحياة.. يهجر دائرة الحياة الواسعة بمتناقضاتها اللامتناهية إلى عالم الوحدة.. وككل ماله قيمة يفضل الابتعاد عن السطح ويهجره إلى الأعماق.. يحتمى داخل صدفة من المواد الجيرية لتقيه من أخطار عالم غير آمن لكائن هش مثله.. تتسرب إليه حبة رمل غريبة عنه.. يغلق عليه صدفته ويبدأ رحلة كفاحه الطويلة.. تلك الرحلة التى ستستهلك العمر بأكمله.. سنوات طوال من العمل الصامت فى عزلة تامة يحاول خلالها حيوان اللؤلؤ أن يحول آنين وحدته إلى لحن شجى عذب.. تتقافز على السطح كائنات.. ويعلو وجه الماء زبد لا قيمة له.. وفى الأعماق يبنى ذلك الفنان الصامت جوهرته الفريدة من حبة رمل.. لا يضيره توالى السنون ولا تثبطه الوحدة وفقدان المعين.. يذوب بكينونته داخل حلمه فلا يبقى منه إلا حلمه الذى أفنى حياته لأجله.. يمضى الجندى المجهول دون أن نراه.. يمضى بعد أن ترك ورائه حلمه الرائع يخلد ذكراه إلى الأبد .. ومن قاع المحيط وحبات الرمال المتناثرة يمضى حلمه إلى صناديق الأحجار الكريمة ومن الصدفة الجيرية الرخيصة إلى البطانة الحريرية الثمينة حتى يستقر فى نهاية المطاف فى إصبع أو على جيد الحسناء التى تنظر بانبهار إلى تلك التحفة الفنية المذهلة .. وفى عالم الغيب تبتسم روح حيوان اللؤلؤ ويسلم نفسه لراحته الأبدية.