لا تزال حصيلة الألقاب التى حاصرت اسم محمود درويش أثناء حياته وبعد رحيله إشكالية حاضرة، فبين "شاعر القضية الفلسطينية" و"شاعر منظمة التحرير" و"المسئول الإعلامى لياسر عرفات " و"الشاعر الإنسانى" متجردا من الألقاب بعد خروجه من قفص اللقب بعد "الجدارية"، مسافات متباعدة ولكل حصار من حصارات الألقاب قصة وموضوعا يستحق الحديث. والشاعر الكبير عبد المنعم رمضان قال "حينما كان محمود درويش حياً تَقمصتُ شخصية المازنى فى مقال لى وقلت عن محمود درويش (حينما يموت محمود درويش لن يدخل الجنة ولن يدخل النار سيظل على جدار عرفات)، وربما بعدها سيحشر مع أبى العتاهية، وذلك لاعتبار محمود درويش شاعرا خدعته النجومية وأضرته، فقد خلقت منه موهبته والنجومية شاعرا كبيراً لكن ليس شاعرا عظيما يحلق لأعلى أو يحفر فى الأعماق". وأضاف رمضان فى تصريحاته ل"اليوم السابع": "لقد تورطت منظمة التحرير فى الإضرار به لأنها التى ساهمت بشكل كبير فى "تنجيمه"، وعندما قابلنى ذات مرة مصادفة قال لى : أهلا بالمازنى لماذا تضعنى على الأعراف؟ وأضاف رمضان أن حتى نرجسية محمود درويش التى اشتهر بها كانت مفروضة عليه، حيث كان يتعامل كمسئول ودبلوماسى وليس كشاعر ارتباطه الرئيسى بالناس حتى أنه حينما كان يأتى إلى القاهرة لم يكن يجلس فى مقاهينا العادية بوسط القاهرة ولا يأكل بالمطاعم الشعبية، وكان يدعو إلى أمسياته الشعرية دبلوماسيين وسياسيين مرموقين. وأشار رمضان إلى أن التوقيت الذى ظهر فيه محمود درويش بعد النكسة ساهم بشكل كبير فى نجوميته، فبعد النكسة بدأ الاهتمام الكبير بالقضية الفلسطينية وشعرائها، وظهر شعراء الأرض المحتلة على الساحة لمحاولة إعادة بعث الروح الضائعة للعرب، وعندما أتى درويش إلى القاهرة بعد النكسة دعاه لويس عوض للكتابة بالأهرام وخصص له مكافأة 100 جنيه، وكانت مبلغا ضخما فى ذلك الوقت، وقال إن هذا الاحتفاء بمحمود درويش ومكافآته ليس احتفاءً به كشاعر فقط بقدر ما هى احتفاءً بالقضية الفلسطينية. واعتبر رمضان علاقة درويش بمنظمة التحرير الفلسطينية وياسر عرفات خصيصا هى مرحلة التحول فى نجوميته، حتى كانت علاقة درويش بياسر عرفات بمثابة علاقة مسئول إعلامى برئيسه الأول يكتب له خطبه والثانى يغدق عليه الأموال، وقد خصه ياسر عرفات ومنظمة التحرير بكل الاهتمام، حتى صار شاعرهم المدلل دونا عن سميح القاسم على سبيل المثال وعدد من شعراء فلسطين المعاصرين لدرويش. وقال رمضان "أتذكر مرة أن محمود درويش عاد إلى رام الله وعندما عاد سألته لماذا عدت، قال لى أنا مجبر بسبب الخجل، لا عن رغبة داخلية"، وأضاف رمضان "محمود درويش شاعر دللته كل الأنظمة العربية لأنه كان نافذة على قضية لم تنته حتى الآن، لكنه فى نهاية حياته تعامل مع الفخ الذى أوقع نفسه فيه وهو فخ القضية وفخ المنظمة وبدأ يكتب شعرا إنسانيا حتى يظل، لأن القضية ستنهى ذات يوم". وقال الشاعر الكبير رفعت سلام إن محمود درويش اتكأ كشاعر على كونه فلسطينا وممثلا للقضية الفلسطينية وهو ما أسهم لدرجة كبيرة فى نجوميته وهذا الاتكاء فى نفس الوقت لا علاقة له بالشاعرية بل يضعف كثيرا من القيمة الشعرية للنص الإبداعى. وأضاف "سلام" فى تصريحاته ل"اليوم السابع" أن أعمال محمود درويش الأخيرة أصبحت مع نضجه أكثر شعرية، وذلك عندما أدرك أن قيمة الشعر تكمن داخله وليس خارجه، وبالتالى قَلّت السمات الخطابية لديه، و لو استمر محمود درويش على فى هذا النهج من التحامه بالقضية الفلسطينية ومنظمة التحرير لتقلصت جماهيريته لدرجة كبيرة". وأكد "سلام" أنه "من الظلم ومن غير الموضوعية التقليل من كونه شاعرا كبيرا فمحمود درويش شاعر ذو صوت خاص رغم تداخل السياسى بالإبداعى لديه، ومن الظلم أيضا عدم الحديث عن وقائع منها أنه فى مرحلة ما كان يصل بياسر عرفات لمرحلة الفوق إنسانية وارتبط به ارتباطا قويا ووارد ذلك كله فى مقدمات مجلة الكرمل، حيث كان يدافع عنه بالحق والباطل وسمحت له العلاقة وعضويته باللجنة المركزية بامتيازات أكثر من أى شاعر فلسطينى آخر، شقة فى باريس، وإقامة دائمة فيها، وحرية التنقل فى كل أرجاء العالم، وأموال متدفقة لتأسيس مجلة الكرمل لتعيد إلى الذهن نفس العلاقة التى كانت تربط المتنبى مع سيف الدولة الحمدانى". ومن جانبه قال الكاتب السياسى الفلسطينى عبد القادر ياسين "إن محمود درويش حين خرج من الأرض المحتلة إن محمود درويش حين التحق بمنظمة التحرير الفلسطينية حافظ على هامش معقول من الحرية ثم حين اصطدم بتلك القيادة عام 1979 غادر إلى باريس ووصف نفسه بالمتنبى وبيروت بمصر فى قصيدة نشرتها له أسبوعية (الوطن العربى)، لكن محمود درويش لم يطق أن يبقى بعيدا عن شلال المال الذى كان يتدفق عليه من القيادة الفلسطينية التى كانت تدير شعبية محمود درويش الواسعة فعاد إليها مجددا. وأضاف ياسين فى تصريحاته ل"اليوم السابع": "حين وَقّعت قيادة منظمة التحرير على اتفاق أوسلو- سيئ الذكر- سارع محمود درويش إلى تقديم استقالته من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ومعه المناضل والكاتب السياسى شفيق الحوت وكتب محمود درويش قصيدته المشهورة (لماذا تركت الحصان وحيدا؟) والمقصود بالحصان هنا هو ياسر عرفات لكنه لم يطق مرة أخرى الابتعاد عن قيادة منظمة التحرير فعاد إليها محتفظا بمسافة معقولة بينه وبينها تسمح بتدفق المال ولا تسمح بتسخير محمود درويش الشاعر لخدمة القيادة السياسية الفلسطينية". وأكد "ياسين" أن "قيادة منظمة التحرير كانت تتعامل مع الثقافة والإبداع باعتبارهما حلية لا أكثر ولا أقل، وكان محمود درويش هو الأكثر شعبية لذا رعته المنظمة السياسية الفلسطينية دون غيره من الشعراء".