مساء الخميس الماضى كان موعدًا لرحيل أيقونة السلام والحرية والنضال "نيلسون مانديلا"، أما المكان فكان فى منزله فى جوهانسبرجبجنوب أفريقيا، كانت حياته متسقة مع مبادئه، مبادئ لم يتخل عنها، ودفعته عزيمته القوية إلى أن يحقق آماله وأحلامه، بأن يرى جنوب أفريقيا خالية من التمييز، وأن يفتح صفحة جديدة فى تاريخ هذا البلد.. صفحة خالية من الانتقام، إنها "جنوب أفريقيا السلمية التى نراها اليوم" كما جاء وصفها بيان الملكة "إليزابيث". وبمجرد أن أعلن "جاكوب زوما" الرئيس الجنوب أفريقى عن وفاة مانديلا.. انهالت برقيات العزاء من كل دول العالم، وتكدست مواقع التواصل الاجتماعى بصور وكلمات مانديلا الخالدة، وبدأ العالم حالة من الحداد والحزن على رحيل مانديلا، حتى أن بعض الدول العربية مثل مصر قد أعلنت الحداد الرسمي، وفلسطين قد نكست الأعلام وأعلنت الحداد. مانديلا الذى يمثل الكفاح من أجل الحرية والنضال ضد جميع أشكال العنصرية والتمييز والعنف السياسى، كان زعيمًا سياسيًا ملهمًا ورجل سلام ورمزًا للتسامح، حتى أن حياته قد لخصها ريتشارد ستنجل، مدير تحرير "تايم" البريطانية من قبل فى عدة دروس، تصلح أن تكون القاعدة الأساسية التى يجب أن ترتكز عليها قيادة أى زعيم أو مسئول فى أى منصب قيادى، منها: القيادة من المقدمة لا تعنى أن تتجاهل قاعدتك، تستطيع أن تقود من الصفوف الخلفية وتدع آخرين يعتقدون أنهم فى المقدمة، الحضور مهم.. لكن الابتسامة أهم، حتى التنحي.. يعتبر قيادة. إن أفضل شهادة يمكن أن تحصل عليها، هى تلك التى تأتى من خصمك، أو مجازًا من آخر شخص تتوقع أن تأتى منه، كريستو براند السجان الذى صاحب مانديلا فى سجنه منذ 1978 وحتى الإفراج عن مانديلا فى العام 1990 فى سجن جزيرة "روبن" الحصين أدلى بشهادته مؤخرًا لوكالة "رويترز" عن مانديلا حيث قال: "كان دائمًا ودودًا ومؤدبًا ومعينًا لغيره، لقد أصبح لاحقًا مثل الأب بالنسبة لى"، لقد كان هذا فعلاً هو مانديلاً.. الذى طوى صفحة الماضى بمجرد أن صار رئيسًا، وشرع فى رسم المستقبل بدلاً من إضاعة المزيد من عمر بلده فى التفتيش فى الماضي، أليس جميلاً أن يتحول الرقم الذى كان يحمله وهو سجين 64/466 إلى رقم دعائى شهير يستخدم فى حملات جمع التبرعات لمنظمة مانديلا للطفولة ولمكافحة مرض الايدز، بدلاً من أن ينبرى فى عقاب من أعطاه هذا الرقم! نحن العرب بحاجة إلى قراءة سيرة الرجل الذاتية التى لخصها فى كتاب "رحلتى الطويلة إلى الحرية" والتى كتب معظمها فى زنزانته، لعلنا نعرف بعض الحيل التى تساعدنا للقضاء على آفات الانتقام والتمييز والقمع، وتلهم رؤساءنا كيف يكون الحكم الرشيد.