بالفيديو والصور.. مغامرة منتخب المكفوفين لرفع الأثقال

تتحسس الطريق نحو المنصة أمام هيئة التحكيم، تبصر بحدسها المكان المناسب لتحكم قبضتها على "بار" تملؤه كتل حديدية تزن عشرات الكيلوات على الجانبين، رؤية الوزن لن يكون عائقا، فما تبصره الروح يدركه العقل.
3 أشهر كانت كافية لفاطمة وآية، للانضمام لمنتخب مصر للمكفوفين، للمنافسة على بطولتي إفريقيا والعالم، لرفع الأثقال.
"مغامرة" هكذا وصفت فاطمة سعيد، بنت محافظة الإسكندرية، تجربتها بالانضمام لمنتخب مصر للمكفوفين لرفع الأثقال، متجاوزة كافة الإحباطات وحديث زميلاتها في الجامعة: "فكري كويس، دي لعبة صعبة"، ولكن رغبتها في خوض المغامرة مدفوعة بدعم الأهل، حال دون ذلك.
أما آية حماد، القادمة من محافظة كفر الشيخ، فحكت تفاصيل "أحلى 3 شهور لها في حياتها"، والتدريب 5 ساعات يوميا للصعود على منصة التتويج، وحلمها بالالتحاق بالكلية العسكرية، رغم عائق النظر.
المنتخب المصري لرفع الأثقال للمكفوفين توج بذهبية بطولة إفريقيا، والمركز الثاني ببطولة العالم التي أقيمت خلال الفترة مابين 15 وحتى 22 نوفمبر الجاري.
يحكي خالد عبادة المدير الفني، عن بداية تكوين المنتخب، بعد طلب من اتحاد ألعاب المكفوفين، بتكوين فريق لرفع الأثقال للمشاركة في بطولتي إفريقيا، والعالم اللتين تنظمهما مصر في مدينة الأقصر، خلال شهر نوفمبر، وذلك دون وجود أي أجهزة أو لاعبين.
اتحاد المكفوفين يضم 7 ألعاب من بينهم كرة الجرس "القدم"، والجودو، وألعاب القوى، ورفع الأثقال، ويشغل مناصبه أفردا مكفوفين، باستثناء أمين الصندوق والمحاسب.
بدأ عبادة في استقبال أفرادا مكفوفين يرغبون في خوض التجربة، ليختار 11 ولدًا، وبنت وحيدة: "اخترت من القماشة المعروضة عليا"، قبل أن يتواصل مع مدرسة النور للمكفوفين "حيث تدرسان فاطمة وآية"، للبحث عن مواهب مؤهلة لخوض اللعبة، بدلا من انتظار المتقدمين.
ولكن قبل تكوين الفريق، احتاج عبادة منح شهادات للمدربين، لتعليمهم كيفية التعامل مع الكفيف، وطريقة التدريب: "أهم حاجة تكسب ثقة الكفيف".
خالد عبادة الدكتور بكلية التربية الرياضية جامعة بورسعيد، والمتخصص في رفع الأثقال، نجح في تكوين منتخب، بعد تنظيم بطولة الجمهورية في بورسعيد، شهر أغسطس الماضي، ليضع اللاعبين في أول اختبار.
تحكي فاطمة سعيد لاعبة المنتخب: "انضميت للعبة قبل 5 أيام فقط من بطولة بورسعيد، وكنا متوترين جدا، كانوا بيشجعونا مع كل محاولة صح (المرة الجاية هتشيلوا أكتر).. كنا لما بنشيل البار فاضي وزنه 20 كيلو، كان دا إنجاز في البداية".
بطولة الجمهورية كانت النواة التي اختار من خلالها عبادة منتخب مصر "رجال وسيدات، كبار وناشئين"، الذي سيشارك في بطولة العالم بعد أيام.
بطولة العالم في مصر 2019 هي رقم 14، بمشاركة منتخبات تمتلك تاريخا في اللعبة، 106 لاعب ولاعبة من 12 دولة: أوكرانيا، وروسيا، واليابان، والتشيك، وفنزويلا، وتركيا، وإيران، وجورجيا، وليبيا، وزيمبابوي، ونيجيريا، بجانب مصر حديثة العهد باللعبة. أما بطولة أفريقيا فتنظم للمرة الأولى.
وتنقسم درجات العجز في الإبصار ل3 مستوات b1 وهي الكفيف بشكل كامل، وb2 وهو وجود تشويش في الرؤية ولا يستطيع التمييز بشكل جيد، وb3 وهو من يستطيع الرؤية بعين واحدة مثلا، فيما يخوض اللاعبين 3 طرق للعب: "البنش، وديدليفت، والظهر".
فاطمة سعيد عبدالجواد صاحبة ال18 عاما، درجة إبصار b1، تلعب في وزن 75 كيلو جرام، تحكي: "في الأول كانوا بيقولوا دي لعبة الأولاد، قولت نجرب، الأولاد مش أحسن من البنات، احنا بنحب التحدي".
"كنت خايفة في بداية اللعب، ازاي هيتعاملوا معانا ويدربونا، وازاي هنشيل أوزان ونلعب"، هكذا روت فاطمة مخاوفها في البداية.
ولكن تجاوزت مخاوفها بالحصول على مركز في بطولة الجمهورية بعد أيام معدودة من التدريب، ودعم والدتها: "كانت بتقولي اللي انت شايفاه اعمليه، وأنا هدعمك فيه، شجعتني وأول حد وصلني للطريق الصح".
عادت المخاوف تلاحقها من جديد مع انطلاق بطولة العالم: "كنت متوترة جدا في بطولة العالم، ولكن كابتن خالد أزال هذا التوتر، كل اللي كان نفسنا نعمله اننا نعمل المحاولة صح.. لما حد كان يغلط مبيزعقش".
التنقل بين الإسكندرية محل سكنها، والقاهرة حيث إقامة المعسكرات والتدريب، كان أحد العوائق التي واجهت فاطمة: "كابتن خالد بيوصلنا لمحطة رمسيس، ولما بننزل محطة مصر في الإسكندرية، أهلنا بيكونوا في انتظارنا".
ووجدت فاطمة في "منى ورشا" زميلاتها الأقدم في المنتخب، قدوتها: "ساعدونا لما انضمينا للمنتخب، بحكم خبرتهم".
"نفسي بدل ما ناخد مركز تاني، نكسب أول، وهدفي اني كل ما أشيل حديد أشيل أكثر، وأبقى بطلة كبيرة وأكسر أرقام قياسية"، هكذا حكت بطلة مصر لرفع الأثقال للمكفوفين عن أمنياتها مستقبلا مع اللعبة.
ولكن لم تنس فاطمة هوايتها الأولى وهي كتابة الشعر: "بكتب وبقول شعر، بحب الشعر جدا، علشان كدا دخلت آداب عربي".
أما آية، صاحبة ال19 عاما، بدرجة إبصار b1، تلعب في وزن 82.5، كان لديها خلفية رياضية: "كنت بلعب ألعاب قوى، ورمي جلة، وكنت جاهزة لرفع الأثقال، فتحمست للفكرة".
"آية" كانت أكثر قوة: "كنت بدخل هادية على البار، لم أشعر بتوتر بسبب تحميس الكابتن المتواصل لي".
وتكمل: "والداي دعموني والفضل ليهم، رغم أن قرار لعب رفع الأثقال كان غريبا على والدي في البداية، ولكن بعدها شجعني وحمسني، ووالدتي طايرة من الفرحة وأنا بكسب".
وانتقلت روح الأسرة والمدربين للاعبين، فتحكي آية: "كنا بنحضر لبعض الماتشات ونحمس بعض، البطولة كانت يومين للأولاد ويوم للبنات".
ولم تخف آية أحلامها: "نفسي أدخل الكلية العسكرية، رغم عائق النظر، لا أهتم بكلام الناس المحبط، كنا بنتدرب 5 ساعات في اليوم، الصبح وبليل، وكانوا أحلى 3 شهور في حياتي، ناس بيحبوا بعض بإخلاص".
وحصل اللاعبون على راحة تشبة راحة المحارب بعد إنجاز بطولة العالم، تمهيدا للعودة من جديد في ديسمبر، لخوض بطولة الجمهورية المقررة في بورسعيد، قبل نهاية العام".