هجرة الأقباط بعد ثورة 25يناير [email protected] الأسبوع الماضى .. اتصل بى د. داويت بشير، نائب رئيس مفوضية الولاياتالمتحدة للحريات الدينية، وقال لى :إن صحيفة فى وول ستريت جورنال تكتب تقريرا عن هجرة الأقباط بعد ثورة 25يناير، وإنها سألته عن رقم قالت إن محاميا قبطيا فى القاهرة أعلنه وهو أن أكثر من مائة ألف قبطى هاجروا إلى أمريكا وأوروبا وكندا واستراليا منذ مارس 2011 نصفهم تقريبا إلى الولاياتالمتحدة، ووصلت الجرأة بهذا المحامى بتحديد أعداد الأقباط الذين هاجروا للولايات الأمريكية. وكانت اجابتى أن هذا الرقم عار تماما من الصحة، وأن من هاجروا إلى الولاياتالمتحدة لا يزيدون علي عدة آلاف. عودة إلى هجرة الأقباط عام2011، هناك نوعان من الهجرة، الأول هو الهجرة القانونية المرتبة، والثانى هو الحصول على فيزا بدخول والسعى بعد ذلك لتحويلها إلى فيزا هجرة إما بالزواج أو بالعمل وفى معظم الحالات باللجوء السياسى ، وبالنسبة للهجرة القانونية المرتبة هى ليست مرتبطة بقيام ثورة أو عدم قيامها لأن لها إجراءات طويلة تستغرق وقتا بناء على نوع الهجرة وهى حسب معرفتى بالموقف تراجعت عام 2011لكل المصريين. أما بالنسبة للهجرة بعد الحصول على فيزا دخول وتحويلها إلى لجوء، فلا توجد جهة فى مصر، سواء الخارجية أو الداخلية أو الجهاز العام للتعبئة العامة والاحصاء، يستطيع ذكر أعدادها، والجهة الوحيدة مثلا التى تستطيع معرفتها فى أمريكا وبصعوبة هى وزارة الأمن الداخلى الأمريكية التابع لها إدارة الهجرة. والسؤال كيف تكون هناك صعوبة حتى فى وزارة الأمن الداخلى الأمريكية لمعرفة الرقم الحقيقى لحالات لجوء الأقباط؟ الإجابة لأنه عليها أن تخاطب 50 ولاية أمريكية لمعرفة الرقم، وعلى كل ولاية فرز طلبات اللجوء القادمة من مصر ومعرفة من الذى طلب اللجوء لأسباب دينية دون غيرها، وكذا فرز القبطى من المسلم من هؤلاء، لأن هناك مسلمين أيضا يقدمون لجوء لأسباب دينية، وقد ساعدت شخصيا الدكتور أحمد صبحى منصور وعائلته لطلب اللجوء نتيجة للاضطهاد الدينى، إذن فإن معظم حالات النوع الثانى من الهجرة هى إلى الولاياتالمتحدة، فكم عدد الذين تقدموا تقريبا باللجوء إلى الولاياتالمتحدة خلال عام 2011؟ مصادرنا لهذه التقديرات التقريبية هى الكنائس القبطية والمحامون المعروفون بالعمل فى ملف اللجوء للأقباط، ووفقا للكنائس فإن عدد حالات اللجوء يتراوح بين حالة واحدة وعشر حالات فى كل كنيسة، وفى كل كنيسة هؤلاء معروفون لأنهم قادمون جدد وأيضا يلجأون للكنيسة لمساعدتهم فى هذا الموضوع، والكنيسة بدورها تعطيهم أرقام تليفوناتنا لنساعدهم فى تقديم مستندات ومقالات ومحاضر جلسات الكونجرس التى تثبت اضطهاد الأقباط فى مصر، ووفقا لهذه المصادر جميعا لا يتعدى عدد الذين تقدموا باللجوء عام2011 عدة آلاف، صحيح أن النسبة أعلى من السنوات السابقة ولكنها ليست بالتهويل الذى قاله ذلك المحامى ورغم كل المشاكل التى واجهها الأقباط الذين تركوا مصر إلى جميع دول المهجر خلال 60 سنة بمليون ونصف المليون قبطى بمعدل 25000 فرد فى السنة، فى وقت كانت دول المهجر تشجع كثيرا الهجرة، والآن تغير الوضع وحدث تشبع فى العديد من دول المهجر، ناهيك عن أن معظم الذين هاجروا كانوا يبحثون عن النجاح المهنى والمادى، أى أن معظم الحالات تمت لأسباب اقتصادية، وللعلم فإن هجرة المسلمين فى السنوات الأخيرة إلى الغرب أعلى من هجرة المسيحيين نتيجة لأن التمييز الواقع على الأقباط أبرز العديد من الكفاءات المسلمة المؤهلة والمطلوبة للهجرة فى دول الغرب. كما أن الأقباط يزيدون علي12مليون نسمة ، ولو ترك مصر مليون شخص خلال الخمسين سنة القادمة، فإن هذا العدد سيكون أقل كثيرا من النمو الطبيعى لتعداد الأقباط خلال تلك الفترة، من هنا نستطيع أن نقول إن الكتلة الرئيسية من الأقباط باقية فى مصر ولا توجد بلد فى العالم مستعدة لاستقبال 12مليون قبطى، لا أمريكا ولا غيرها، وأن أى كلام عن هجرة الأقباط هو كلام مريب موجه للتأثير النفسى عليهم لترك وطنهم. أضف إلى ذلك أن قرار الهجرة ليس قرارا سهلا، وأنا أعرف بعض أقاربى وأصدقائى لديهم جوازات سفر غربية أو تصريح إقامة ولكنهم لم يغادروا مصر بعد 25يناير، ولا أنصح أى قبطى بالهجرة أو بالسفر إلا إذا كانت ظروفه فى مصر صعبة جدا، أو حصوله على فرصة حقيقية للعمل فى الخارج. المشكلة التى تواجه المصريين جميعا فى مصر حاليا ليست هى فوز الإسلاميين حتى ولو كان هذا الأمر مزعجا، ولكن المشكلة الحادة هى المشكلة الاقتصادية وغياب القانون، فمصر تتدحرج نحو كارثة اقتصادية نتيجة لسوء إدارة المرحلة الانتقالية ونتيجة لغياب الرؤية ، ونتيجة لعدم الاستقرار الطبيعى المصاحب للثورات فى سنواتها الأولى. بقى أن نقول: إن لسان حال الأقباط ينطق بما قاله محمود درويش: باقون هنا.. دائمون هنا.. خالدون هنا، ولنا هدف واحد.. واحد.. واحد.. أن نكون. كاتب المقال مفكر مصرى وناشط حقوق إنسان بارز ومدير منتدى الشرق الأوسط للحريات - واشنطن