"أحقا كان لي أمّ فماتت.. أم أني خُلقت بغير أمي.. رموني الله في الدنيا غريبا أحلق في فضاء منزها"، كلمات كتبها الراحل قداسة البابا شنودة الثالث، في إحدى قصائده، لتحكي عن الطفل الذي ماتت أمه في أولى أيام حياته. في إحدي الحارات الضيقة بقرية " سلام"، التي تبعد 11 كيلو عن محافظة، أسيوط ولد الراحل قداسة البابا شنودة الثالث، في الثالث من أغسطس 1923، وأطلق عليه اسم" نظير جيد روفائيل"، ولم تمر سوي 3 أيام فقط من مولده، حتى فارقت أمه الحياة، وبعدها رضع من عدد كبير من سيدات قرية سلام، لكن التي كانت ترضعه بصفة منتظمة الحاجة «صابرة»، وهذه السيدة تحدث عنها البابا في إحدى المرات عندما قال إنه رضع من سيدة مسلمة. ويقول البابا " كنت طفلا وحيدا ماتت أمه دون أن يرضع منها، وعشت فترة من طفولتي المبكرة دون صداقة وزمالة، ولا لعب مثل باقي الأطفال، السنه الأولى في رياض الأطفال كانت سنة ضائعة، كنت أسير طريقا طويلا في اتجاهي للمدرسة، ولا أفكر في شئ سوي طول هذا الطريق متي ينتهي، ولم آخذ في تلك السنة من العلم شيئا، إلى أن جاء أخي الأكبر وأخذني إلى دمنهور حيث كان موظفا هناك، أخذت " التحضيري" في سنة واحدة، وانتقلت منها إلى الابتدائية، كنت أقرا الجرائد وأتصل بأشخاص أكبر مني في السن، فكان عقلي ينموا أكبر من سني، والسنة الثانية والثالثة قضيتها في الإسكندرية، والرابعة رجعنا إلى أسيوط، وكانت أيضا سنة ضائعة، ثم انشغلنا أنا وأخي شوقي بالكنيسة انشغالا كاملا بالقداسات التي كان يصليها الأنبا مكاريوس أسقف أسيوط آنذاك". رغم مغادرة البابا شنودة لقرية "سلام " منذ صغره والتي شهدت مولده إلا أن البلد كلها تفتخر به لأنه رجل سلام، ويقول أقاربه " إنه كان طفلا جميل المنظر هادئ الطباع، يحب الهدوء والجلوس منفردا. التحق البابا بقسم التاريخ بجامعة فؤاد الأول، وبدأ بدراسة التاريخ الفرعوني والإسلامي والتاريخ الحديث، وحصل على الليسانس بتقدير (ممتاز) عام 1947. وفي السنة النهائية بكلية الآداب التحق بالكلية الإكليريكية، وبعد حصوله على الليسانس بثلاث سنوات تخرج من الكلية الإكليريكية عمل مدرسًا للتاريخ، وحضر فصولا مسائية في كلية اللاهوت القبطي وكان تلميذًا وأستاذا في نفس الكلية وفي نفس الوقت. كان يحب الكتابة وخاصة كتابة القصائد الشعرية، ولقد كان ولعدة سنوات محررا ثم رئيسا للتحرير في مجلة مدارس الأحد، وفي الوقت نفسه كان يتابع دراساته العليا في علم الآثار القديمة، وكان من الأشخاص النشيطين في الكنيسة وكان خادما في مدارس الأحد. ثم ضابطا برتبة ملازم بالجيش. " نظير جيد" كان خادما بجمعية النهضة الروحية التابعة لكنيسة العذراء مريم بمسرة، وطالبًا بمدارس الأحد ثم خادمًا بكنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا في منتصف الأربعينات. رسم راهبًا باسم (انطونيوس السرياني) في يوم السبت 18 يوليو 1954، وقال عن الرهبنة " حياة مليئة بالحرية والنقاء"، ومن عام 1956 إلى عام 1962 عاش حياة الوحدة في مغارة تبعد نحو 7 أميال عن مبنى الدير مكرسا فيها كل وقته للتأمل والصلاة. وبعد سنة من رهبنته تمت سيامته قسًا، أمضى 10 سنوات في الدير دون أن يغادره، ثم عمل سكرتيرًا خاصًا للبابا كيرلس السادس في عام 1959، بعدها رسم أسقفا للمعاهد الدينية والتربية الكنسية، وكان أول أسقف للتعليم المسيحي وعميد الكلية الإكليريكية، وذلك في 30 سبتمبر 1962. وعندما مات البابا كيرلس في الثلاثاء 9 مارس 1971 أجريت انتخابات البابا الجديد في الأربعاء 13 أكتوبر، وجاء حفل تتويج البابا (شنودة) للجلوس على كرسي البابوية في الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالقاهرة في 14 نوفمبر 1971 وبذلك أصبح البابا رقم (117) في تاريخ البطاركة. وفي 17 مارس 2012، أعلن الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس، وفاة البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، عن عمر يناهز 89 عامًا.