هل ما فعله المصريون منذ 25 يناير 2011 يدخل في باب الحقائق أم الأساطير. سؤال سيظل في ذاكرة الناس وذاكرة الزمن. في يناير عام 2011 أطاح المصريون بنظام استبدادي قوي لم يكن أحد يتخيل أنه سينهار أمام أي غضب فما بالك بالغضب السلمي. كانت قوة النظام تجعل أمر التخلص منه مستحيلا ثم كما هو في الأسطورة اليونانية هناك دائما نقطة ضعف لكل إنسان. هي كعب أخيل. لم يكن أحد يتصور أن للنظام السابق نقطة ضعف. لكن الذي جرى أنه ظهرت في مصر نقطة قوة جديدة لم تكن في ذهن النظام على الإطلاق ومن ثم كانت نقطة ضعفه العمى عن الحقيقة. هذه القوة هي قوة الشباب الذي جاء من منطقة بعيدة عن كل طرق النضال التقليدية. اعتبر النظام السابق وإلي حد كبير قوى المعارضة التقليدية هؤلاء الشباب مجرد عيال. لكن الذي جرى أنهم لم يكونوا كذلك. والمدهش هو نزول الشعب خلفهم حتى ترك مبارك الحكم مرغما. بدا الأمر أسطورة حقيقية في كل مشاهده. ولم يشوه الأسطورة غير محاولة القوى المؤثرة أن تجعل الأمر واقعيا يمكن أن يحدث في أي وقت. والحقيقة أنه كان أعمق وأجمل من كل ما عرفناه من ثورات حولنا في العالم. أخذ الكبار من النظام السابق، أو وجهه الآخر، الذي هو الإخوان المسلمون، الثورة إلى الأرض بعد أن كانت برزخا بين السماء والأرض. والأخطر من ذلك أن الإخوان كطائفة دينية سياسية لا تري أحدا على الأرض غيرها ومن ثم انحطت في تعاملاتها مع الثورة والثوار فاستخدمت نفس الأساليب البالية للنظام السابق في كل شيء حتى أساليب القمع اعتمادا على الفكرة القديمة التي راجت عن المصريين أنهم يصبرون على الحكام طويلا ولا يثورون إلا على سنوات بعيدة. الحقيقة التي لم يفهمها أحد أن الثورة لم تنطفئ جذوتها بعد لسبب بسيط أن الذين نادوا بها وبدءوها ودفعوا ثمنها أكثر من غيرهم هم الشباب الذين أيضا وبشكل طبيعي لا يمكن أن يهدءوا إلا بعد زمن طويل. جاء الإخوان إلى الحكم بأصوات الأغلبية المضطرة. ولم يروا مصر الجديدة. ظلوا على رؤيتهم التقليدية الرجعية. رؤية الطائفة التي لا تري خارجها أحد. جاءوا جاهزين بالعمى. اطمأن الإخوان إلى أن سنوات طويلة أمامهم فما أسرع ما ييئس الشعب المصري. هكذا راحوا يفكرون ويعملون على يأس الشعب الباحث عن لقمة عيشه. ولم ينتبهوا إلى حقيقة أن الشعب صار باحثا عن ثورته التي سرقت منه وراح من سرقها بجهل وسفالة يسجن أبناءه الذين رفعوا رأسه من قبل إلى السماء وأخذوه من الواقع إلى الأسطورة. أسطورة الإنجاز في أقل وقت وبأروع المشاهد وأعلى درجات السلم. لقد عشق الشباب مشاهد ثورته وأبدع في لوحاتها التي رآها العالم كله أسطورة نادرة الحدوث، لذلك سرعان ما عاد معاكسا لكل التوقعات وأشعل الثورة من جديد. هو الشباب ولا أحد رغم أننا لحقنا به جميعا. هذه المرة لم يستغرق عزل مرسي ثلاثة أيام سبقها عام كامل من الحسرة على انتخابه ومن النضال من أجل العدل والحرية التي عصف بهما. صار الأمر مثل أسطورة حقيقية. وبقليل من التأمل نكتشف أن الشعب نزل إلى الميادين يوم 30 يونيو في يده الزمامير والصفارات والألعاب النارية. لقد نزل إلى الميادين منذ اليوم الأول مطمئنا إلى النصر وسعيدا به قبل أن يحدث. وهكذا يدخل محمد مرسي موسوعة جينيس باعتباره أول رئيس يتم خلعه دون غضب. بل بالصفارة والزمارة والألعاب النارية. لقد نزل الشعب وراء تمرد وشبابها لأنه عشق صناعة الأساطير. لقد أطاح برئيسين في أقل من ثلاثة أعوام.