يناضل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش من أجل التعددية وحقوق الإنسان واللاجئين وحماية البيئة، وتقديرا لالتزامه بتلك القضايا وإنجازاته تم منحه جائزة كارل (شارلمان بالعربية) الألمانية الرفيعة لعام 2019. "إنه أمر مثير للاهتمام أنكم قررتم عدم الاستسلام في الوقت الذي تقفون فيه أمام هذا التحدي الهائل"، هذا ما قاله أنطونيو جوتريش، الأمين العام للأمم المتحدة قبل أسابيع قليلة عندما زار مجموعة جزر المحيط الهادي ليطلع شخصيا على التأثيرات الواضحة اليوم للتغير المناخي، وجملته هذه تنطبق عليه أيضا. فمنذ أن تولى جوتريش بداية عام 2017 منصب الأمين العام للأمم المتحدة من سلفه بان كي مون، زادت التحديات التي يواجهها المجتمع الدولي. لكن جوتريش، مثل مجموعة جزر المحيط الهادي، قرر عدم الاستسلام. ومقابل التزامه بالقضايا الدولية وعلى رأسها البيئة والسلام، تقرر منحه جائزة كارل الألمانية الرفيعة والمعروفة عربيا باسم جائزة شارلمان لعام 2019، التي تعد إحدى أهم الجوائز الأوروبية التي تمنح لمن يمدون جسور التواصل السياسي. إلقاء نظرة سريعة على سيرته السياسية يكفي لمعرفة أن بلد جوتريش، البرتغال، كان صغيرا بالنسبة إليه بالنظر إلى الفرص التي تمنحها العولمة والتعددية. فهو يُعتبر من المخططين الأوائل "لإستراتيجية لشبونة" التي أراد بموجبها الاتحاد الأوروبي وفي غضون عشر سنوات، أن يصبح منطقة اقتصادية رائدة عالميا. وأثناء فترة الرئاسة البرتغالية للاتحاد الأوروبي في النصف الأول من عام 2000 تم اتخاذ قرار بضم اليونان إلى منطقة اليورو واعتماد اتفاقية التجارة الحرة مع المكسيك وفرض عقوبات ضد النمسا بسبب مشاركة حزب الحرية اليميني الشعبوي في الحكومة. وعلى المستوى الأوروبي يمكن القول بأن من العوامل التي ساعدت غوتريش، البالغ 70 عاما الآن، في شق طريقه هو أنه يتحدث إلى جانب لغته الأم البرتغالية كذلك الإسبانية والفرنسية والإنجليزية بطلاقة. وخلال الشهور الستة كرئيس لمجلس الاتحاد الأوروبي وصفته صحيفة "نويه تسوريشر تسايتونج" بأنه "خيالي براجماتي" وهذا الوصف ينطبق حتى اليوم على جوتريش الذي يريد تحسين العالم. ومنذ أن كان رئيسا لوزراء البرتغال كان البحث التوازن والحوار مهما للغاية بالنسبة له، فعندما خسر حزبه الاشتراكي عام 1995 بفارق ضئيل الأغلبية البرلمانية، شكل حكومة أقلية، محافظا في آن واحد على التواصل وعلاقات جيدة مع الكتل الأخرى في البرلمان، وكان محبوبا لدى جميع الأحزاب. وفي فترة حكمه الأولى توفيت زوجته الأولى لويزا أميليا بسبب المرض. وفي عام 2001 تزوج جوتريش من جديد. وفي الولاية الثانية لحكومته تعرض لضغوط كبيرة بسبب التوزيع غير العادل للأموال الأوروبية، إذ أن مبالغ كبيرة صُرفت على مشاريع ضخمة مثل بطولة كأس الأمم الأوروبية لكرة القدم 2004 في الوقت الذي كانت البنية التحتية في الريف ضعيفة هشة. وإن مقتل 70 شخصا بانهيار أحد الجسور والنتائج السيئة للحزب الاشتراكي في الانتخابات البلدية أدت في النهاية إلى انهيار حكومة جوتريش في ديسمبر 2001. وفي هذه الفترة كان جوتريش قد أقام علاقات جيدة على المستوى الدولي: إذ قدم المشورة للأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان في قضايا اجتماعية في البرازيل. وفي عام 2005 عينه عنان مفوضا ساميا للاجئين. وتحت إدارة جوتريش تطورت وتوسعت المفوضية السامية لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ووصلت ميزانيتها إلى 6،8 مليار دولار ويعمل فيها أكثر من 9 ىلاف موظف في 123 بلدا. لكن وضع اللاجئين في مختلف بقاع العالم تدهور لاسيما في سوريا. وانتقد جوتريش في وقت مبكر جهل الدول الغنية والتمويل السيئ للمفوضية السامية للاجئين التي فاقمت وضع اللاجئين السوريين في دول الجوار. وعندما تدفقت موجة اللاجئين 2015 في اتجاه أوروبا، اشتكى جوتريش في إحدى مقابلاته الصحفية من "الوضع الفوضوي للمجتمع الدولي". عام 2015 عندما لم يترشح لفترة ثالثة لرئاسة المفوضية السامية لشئون اللاجئين، بدأت التكهنات بأنه يتطلع لشغل أرفع منصب في للمنظمة الدولية، وهذا ما حصل عندما لم تعترض دول الفيتو الخمس على ترشحه ليصبح أمينا عاما للأمم المتحدة. بعد عشر سنوات من تولي بان كي مون منصب الأمين العام للأمم المتحدة، كان يأمل كثير من الدبلوماسيين أن تهب ريح التغيير على الأممالمتحدة في ظل رئاسة عوتريش للمنظمة الدولية. لكن وبعد أيام قليلة من تولي غوتريش منصبه الجديد في نيويورك، تم تنصيب دونالد ترامب في واشنطن كرئيس للولايات المتحدة، والذي يميل إلى المواجهة مع الأممالمتحدة ويهدد أحيانا بانسحاب بلاده منها. وترامب هو خصم عنيد للتعددية التي يدافع عنها غوتريش بصلابة شديدة. ويركز الأمين العام للأمم المتحدة جوتريش حتى الآن على الربط بين الموضوعين المتصلين ببعضعهما، الهجرة والتغير المناخي. وأحد النجاحات التي حققها في النصف الأول من ولايته تم اعتماد ميثاقين للاجئين والهجرة اللذين من شأنهما تحسين التعاون بين الدول ولو أنهما غير ملزمين قانونيا. وأبدى جوتريش مبكرا اهتمامه بالوضع الكارثي للروهينجا الملاحقين في ميانمار منذ خريف 2017، لكنه ظل عاجزا أمام العنف الممارس ضد هذه الأقلية المسلمة هناك. ونجح في جمع أطراف النزاع في اليمن على طاولة المفاوضات. لكن الأزمتين لا تزالان مستمرتين حتى اليوم على غرار الكثير من النزاعات حول العالم. ويشمل مجال عمل جوتريش أيضا تنفيذ الأهداف التنموية للأمم المتحدة حتى عام 2030 إضافة إلى أنه يريد إصلاح أسلوب عمل الأمانة العامة للأمم المتحدة. فهل سينجح البرتغالي في تحقيق هذا الهدف، هذا ما يجب انتظاره. ديفيد إيل/ م.أ.م هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل