مصطفى محمود يكتب: يافرج الله في مجلة صباح الخير عام 1975 كتب المفكر الدكتور مصطفى محمود مقالا قال فيه: "ما نحبه في البيت والغرفة والفراش، وما نخلده بالأشعار والأغانى، وما نشتاق إليه من ليالى الغربة.. ليس هو البيت ولا الفراش وإنما هو مشاعرنا وذكرياتنا التي نسجت نفسها حول هذه الجمادات، وبعثت فيها نبض الحياة، وجعلت فيها مخلوقات تحب وتكره. إننا نحب عرق ايدينا في مفرش الكانفاه، وعطر أنفاسنا على الوسائد القديمة، وحين نحتفل بالماضى فنحن في الواقع نحتفل بالحاضر دون أن ندرى، فهذه اللحظات الماضية التي أحببناها نخرجها معنا كل يوم، فأصبحت لنا حاضرا مستمرا.. فقد جعل الحب من الماضى حاضرا شاخصا مائلا في الشعور. وإذا كنا نقرأ أن السيد المسيح كان يشفى المرض بالحب، فليس في هذا مبالغة، بل هي حقيقة علمية؛ فالحقد والكراهية والحسد يرفع ضغط الدم ويحدث اضطرابات في الغدد وعسر هضم وأرق، والنفور والاشمئزاز يؤدى إلى أمراض الحساسية (مثل نفور الجسم من مواد غريبة)، واليأس يؤدى إلى انخفاض الكورتيزون في الدم، والغضب يؤدى إلى ارتفاع الأدرينالين في الدم بنسبة كبيرة. وإذا استسلم الإنسان لزوابع الغضب والحقد والأرق واليأس أصبح فريسة سهلة لقرحة المعدة والسكر وتقلص القولون وأمراض الغدة الدرقية والذبحة الصدرية.. وهى أمراض لا علاج لها بالمحبة والتفاؤل والتسامح وطيبة القلب جرب بنفسك لا تشمت ولا تكره ولا تحقد ولسوف تلمس النتيجة هائلة، إنها تجربة شاقة سوف تحتاج منك إلى مجاهدات مستمرة ودائبة مع النفس، وسوف يتطلب ذلك حرب تشترك فيها العقل والإيمان والعزم والصبر والإصرار. فأشق حرب هي حرب الإنسان مع نفسه، وما أسهل أن تسوس الجيوش، ما أصعب أن تسوس نفسك. لا يكفى أن تقول من الغد لن أبغض أحدا، أو لن أحسد أحدا، ونظن بذلك أن المشكلة انتهت، فقليل من الصراحة مع نفسك سوف تكشف لك أنك تكذب وأنك تقول بلسانك ما لا تحسه بقلبك. لكن ثمار المحبة تستحق كفاح العمر، بالحب يحل الانسجام والنظام في الجسد والروح، وما الصحة إلا حالة الانسجام التام في الجسد، وإذا كان الحب لم يشف أحدا إلى الآن.. فلأننا لم نتعلم بعد كيف نحب".