لم يحجب اتصاف محمد حسني مبارك منذ بداية حياته بالانضباط والجدية،العنصر الإنساني في شخصيته ، فقد كان يحرص علي متابعة زملائه وأصدقائه، والوقوف علي أحوال رجاله، والمساهمة في حل مشاكلهم. وخلال مراحل الإعداد للضربة الجوية التي بدأت بها أكبر عملية هجومية في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي ، كان حسني مبارك يتابع الأحوال الإنسانية والشخصية لصديقه وزميله محمد علي فهمي قائد قوات الدفاع الجوي الذي يقع علي كاهله مسئولية حماية سماء مصر ، بواسطة الأسلحة المضادة للطائرات وحائط الصواريخ ، بالتعاون والتنسيق مع القوات الجوية التي يتولي قيادتها حسني مبارك ، ورغم أن فهمي كان يعاني من تبعات المرض الذي أصاب زوجته، لكنه كان حريصا علي ألا يكون لذلك أثر علي انشغاله بدور الدفاع الجوي في المعركة التي بدأ الاعداد لها. وكان حسني مبارك يشاركه هذا الأمر ، فكلف زوجته سوزان بالتردد علي زوجة قائد قوات الدفاع الجوي ، والاطمئنان علي أحوالها، لكن ما تلقاه كان يؤكد انها في حاجة الي عناية طبية من نوع خاص . وحانت الفرصة أمام مبارك ليساهم في انقاذ زوجة صديقه ، وكان ذلك ظهر أحد أيام يونيو 1973 ، عندما دق جرس التليفون في مكتبه ليخطره برغبة الرئيس أنور السادات مرافقته في رحلته إلي كل من ليبيا وسوريا. وكان حسني مبارك علي موعده صباح اليوم التالي في صالة رئاسة الجمهورية الملحقة بمطار القاهرة الدولي، وهناك التقي مع رفيقه في الرحلة اللواء محمد علي فهمي قائد الدفاع الجوي، وصعد الاثنان إلي طائرة الرئاسة ، ليكون أنور السادات هو آخر من وصل إلي قاعة الرئاسة في المطار وآخر من صعد إلي الطائرة. وفور إقلاع الطائرة من الممر، بدأ اجتماع الثلاثة في طائرة الرئاسة، ليبادر أنور السادات بسؤال اللواء فهمي يتعلق بزوجته، قال إنه علم بمرض زوجته ويريد أن يعرف مدي نجاح العلاج وتقدمه ، وسكت الرجل الذي فوجئ بالسؤال ، في حين تولي حسني مبارك الإجابة قائلا: إنها تعاني من مرض شديد وتحتاج إلي عناية أكثر. واستدعي السادات سكرتيره المتواجد علي متن الطائرة ، وأصدر تعليماته بإعداد قرار سفر زوجة محمد علي فهمي للعلاج في الخارج علي نفقة الدولة، وأن يرافقها زوجها عند سفرها وحتي بداية العلاج ولو لثلاثة أيام. ورد الزوج بما يفيد عدم ضرورة سفره في هذه الفترة الدقيقة ، بعد أن بدأ الاستعداد الجاد للعبور، ورد عليه السادات بأن ثلاثة أيام لن تكون مشكلة ، وابتسم السادات وهو يوجه حديثه هذه المرة إلي قائد القوات الجوية قائلا: «أنا عارف يا مبارك أنك دائما جاهز.. واحنا أمامنا شهران أو ثلاثة علي الأكثر وندخل الحرب لأن تحريك الموقف السياسي يتطلب عملا عسكريا ناجحا». وكرر حسني مبارك رده الذي سبق أن قاله للرئيس السادات في الاجتماع الذي عقده في بيته بالجيزة ، مؤكدا أن القوات الجوية جاهزة للقيام بدورها في المعركة .