قال علي أبو دشيش عضو اتحاد الأثريين المصريين، إن استقرار المصري القديم على ضفاف نهر النيل وعمله بالزراعة، جعله أصبح قادرا على إنتاج قوته، ثم بعد ذلك انطلق إلى ميادين العلم والمعرفة والتقدم الهائل، فكان نهر النيل سببا هاما في هذه الحضارة العظيمة وبناء الأهرامات الشامخة وبقائها حتى الآن، ولولا نهر النيل لكانت مصر صحراء بلا نبات ولا ماء ولا استقرار، فالنيل جعل لمصر دورة زراعية كاملة، وحول الأرض السوداء إلى أرض خضراء مثمرة. وأضاف أبو دشيش: النيل كلمة مأخوذة عن اليونان وأصلها نيلوس، أما الاسم المصري القديم فهو "يومع" أي بمعنى اليم أو (أور) بمعنى النهر الكبير "أترو عا" وأطلقوا على فيضانه اسم "حاعبي" فكل مكان يصل إليه نهر النيل، هو مكان مصري من أرض مصر، عدا ذلك فهو ليس من أرض مصر، وأطلقوا عليه اسم حاعبي وتخيلوه على هيئة رجل جسمه قوي، وله صدر بارز وبطن ضخمة كرمز لإخصابه. وأكد أبو دشيش، أن النيل عندما يأتي إلى مصر يسلك مسلكا حضاريا، وهو من جعل لمصر شخصيتها الإقليمية، ولذلك سميت مصر "تاوي"؛ لأن النيل قسمها إلى أرض الشمال وأرض الجنوب، ولذلك فأن من أهم ألقاب الملك المصري "نب تاوي" وتعنى سيد الأرضين الشمال والجنوب، وذكر إله النيل على القطع الأثرية، ومنه أوستراكا مصورا عليها المعبود حاعبي، وتمثال الملك خفرع الشهير بالمتحف المصري، ووجود رمز سما تاوى عليه، ومعناه موحد الأرضين ويقصد به النيل. وتابع أبو دشيش: النيل ذكر في الحضارة المصرية القديمة كثيرا جدا من النقوش والرسوم المصورة، وأكثرها المراكب التي كانت تستخدم للصيد والحرب والسفر ونقل الحجارة وغيرها، وذكرت المراكب المصرية القديمة كمرجع هام في التأريخ، فكانت مراكب الملك خوفو وغيرها من الملوك العظام، ووجدت مراكب الصيد، ووجدت المراكب الحربية، ومراكب البعثات المصرية إلى البلاد الأجنبية، وكان النيل عاملا هاما في الدبلوماسية السياسية المصرية كوسيلة للنقل والترحال والتبادل الثقافي والحضاري بين مصر والدول الأخرى. النيل وعقيدة البعث ويرجع الفضل للنيل والشمس والنبات في عقيدة البعث عند الموت لدى المصري القديم حيث شاهد النيل يفيض ويغيض ثم يفيض من جديد والنبات ينمو ثم يموت ثم يموت من جديد والشمس تشرق ثم تغرب ثم تشرق من جديد فأدرك المصري القديم بالبعث ما بعد الموت فكان سببا هاما في تشكيل وترسيخ العقيدة لدية. عيد وفاء النيل والمقصود هنا أن النيل وفي للمصريين بالخير من طمي ومياه، ولذلك فقدسوا النيل وجعلوا له احتفالا كبيرا في شهر بؤونة، الموافق شهر أغسطس الحالي، فقاموا بالاحتفال في نفس الشهر الذي يأتي الفيضان محملا بالطمي والماء، وقاموا بإلقاء عروسة من الخشب إلى النيل في حفل عظيم يتقدمه الملك، وكبار رجال الدولة، دليل على العرفان بالجميل لهذا النيل العظيم، وأما عن حكاية إلقاء عروس النيل فهي حكاية اشتهرت في السينما ولا يوجد نص لدينا أن المصري القديم قد قدم قربانا بشريا. وأما عن عروس النيل فكان يروى أن نهر النيل على أيام الفراعنة كان يقدم له في عيده فتاة جميلة، وكان يتم تزيينها، ويلقونها في النيل كقربان له لأنه وفى بالفيضان وتتزوج الفتاة بالإله حعبى في العالم الآخر، إلا أنه في بعض السنين لم يبق من الفتيات سوى بنت الملك الجميلة فحزن الملك حزنا شديدا على ابنته، ولأن الخادمة أخفتها وصنعت عروسة من الخشب تشبهها، وفي الحفل ألقتها في النيل دون أن يتحقق أحد من الأمر، وبعد ذلك أعادتها إلى الملك، الذي أصابه الحزن الشديد والمرض على فراق ابنته، ثم بعد ذلك جرت العادة على إلقاء عروسة خشبية في النيل. هذا ويتخذ نهر النيل في رحلته شكل زهرة اللوتس من أقصى الجنوب عند أبو سمبل حتى أقصى الشمال عند سواحل البحر الأبيض المتوسط، ويمتاز النيل بفيضان سنوي يظهر في وقت معين وينحسر في وقت معين، وعندما تستنشق زهرة اللوتس فأنت في الحقيقة تستنشق عطر مصر وجوهرها، فلقد تأمل المصري القديم هذه الزهرة فوجد جذورها في الطين، وساقها في الماء، وأوراقها تتفتح في الهواء وتحت ضوء الشمس فاتخذ منها رمزا للرحم الذي يخرج منه "رع" ليشرق بنوره هو الإله على العالم. ويروى فيضان النيل أرض مصر كل عام ويمدها بكمية كبيرة من الطمي الذي يصلح تربتها ويأتي هذا الفيضان من الحبشة نتيجة لهطول الأمطار وذوبان الثلوج المتراكمة على قمم الجبال أيضا هكذا نجد أن النيل لم يخلق القطر المصري فقط ولم يوفر لأهلة الغذاء ولكساء بل جمع كلمتهم واضطرهم لابتكار النظم الزراعية السليمة وكافة النظم الاجتماعية فضلا على ذلك كان للنيل أثر آخر بعيد عما ذكر. ولقد حسب القوم سنتهم الشمسية وبدأوها مع توافق شروق نجم الشعرى اليمنية مع ظهور الفيضان والشروق هنا يعنى ظهور ذلك النجم في الأفق الشرقي مع الشمس، وقسموا السنة ثلاثة فصول وقسموا الفصل أربعة أشهر، وسموا الفصول (الفيضان، البذر والإنماء، وفصل الحصاد) وكان شهرهم ثلاثين يوما، وكانت سنتهم 360 يوما، مضافا إليها 5 أيام هي أيام النسيء، وهى الأيام التي فيها أعياد الإلهية الرئيسية الخمسة بعد ذلك عرف القوم السنة الشمسية 365 وربع يوم أي بزيادة ربع يوم عما كنت عليه سابقا، نحن نقيس الزمن بتغير المناخ فنقسم سنتنا أربعة فصول (الشتاء, الربيع, الصيف, الخريف) أما قدماء المصريين فحسبوا زمنهم بالسنة الشمسية والتي تبدأ بشروق نجم الشعري اليمنية مع الشمس في المشرق.