التفاصيل التالية حقيقية بالكامل.. لا زيادة فيها ولا نقصان اللهم إلا تضفيرها وصياغتها بل إن مساحة المقال لا تكفيها كلها.. والتفاصيل التالية جرت بين سوريا ومصر وللأسف لا يعرفها الكثيرون من المصريين بسبب تغييب إعلامي وتعليمي متعمد جرى طوال أكثر من أربعين عامًا كاملة صار فيها العدو صديقًا والأخ عدوًا! لم يكن الدكتور يوسف جمال، الطبيب البيطري ب"اللاذقية"، المدينة السورية الساحلية الجميلة، يعلم أن ابنه "جول" -مع شقيقه عادل وشقيقته دعد- سيكرر تجربته هو في الوطنية ومقاومة الاحتلال الفرنسي ليكون بطلا مثله بل سيتجاوز في بطولته حدود التضحيات المعروفة وكان عام 1932، حيث ولد "جول" بداية لسيرة بطل عظيم ادخره القدر بل ساقه إلى حيث يسجل بنفسه في التاريخ بطولة نادرة ! تمر الأيام ويكبر "جول" ليقرأ عام 1953 إعلانًا عن قبول الكلية البحرية في مصر دفعة من الطلبة من الأشقاء العرب فكان واحدًا من بين عشرة جاءوا إلى الإسكندرية للدراسة ليترك دراسته بكلية الآداب من أجل ذلك.. كانت نتائج الجامعات والمدارس كما هي اليوم تحرر في مايو أو يونيو على الأكثر ولذلك حصل في هذا الوقت من عام 1956 على بكالوريوس العلوم البحرية بتفوق والأول على الدفعة إلا أنه والعالم كله فوجئوا بالزعيم جمال عبد الناصر يؤمم في يوليو قناة السويس.. وهو القرار الذي انتهى بنجاح التأميم وتلقين ثلاث دول درسًا كبيرًا في الصمود والتضحية وانتهى أيضًا ببناء السد العالي إلا أن هذه التضحيات عند العدوان نتوقف وينبغي أن نتوقف عندها قليلا.. لقد كانت قدرات مصر العسكرية لا تستطيع الصمود أمام ثلاث دول بينها امبراطوريتان عظميان جاءوا بجيوشهم وأساطيلهم وطائراتهم الموجودة بالقرب من مصر في قواعد عسكرية بدول محيطة.. إلا أن العدوان المستمر دعا "جول جمال" إلى عدم العودة إلى بلاده وطلب أن يبقى مدافعًا عن مصر وعن العروبة -رغم أن الوحدة مع سوريا لم تكن قد تمت- ووافقت القيادة العسكرية المصرية ليكون "جول" من بين من يديرون المعارك البحرية فعليًا مع الجيش المصري، حتى التقط هو ومجموعته في 4 نوفمبر وأمام مدينة البرلس رسالة بالفرنسية التي كان يجيدها من السفينة الحربية الفرنسية العملاقة "جان بارت" مما دعاه حماسه ليطلب وبإلحاح الخروج للتصدي لها وكانت أول موافقة في التاريخ لضابط لا يحمل الجنسية المصرية ليقوم بعملية خارج حدود مصر.. تطلبت العملية موافقات مختلفة فقاد طوربيدا بحريًا من بين ثلاثة طوربيدات ليخوضوا معركة مع واحدة من أكبر السفن الحربية في العالم يصل طولها إلى 250 مترًا كاملة وسطرت الطوربيدات الصغيرة الثلاثة بطولة وعبقرية نادرة جعلوا المعركة تسجل في تاريخ المعارك البحرية الكبرى، وقيل إن جول جمال اضطر بعد نفاد الذخيرة إلى اقتحام "جان بارت" بالطوربيد ليتسبب في شلل تام للسفينة العملاقة التي أصبحت خارج المعركة تمامًا بخسائر كبيرة جدًا لم يكن يتوقعها أحد في أكثر الاحتمالات تفاؤلا ليكون الثمن روحه الطاهرة! استشهد جول إذن.. ولم يعد إلى بلده ولا لأسرته التي انتظرته ببدلته العسكرية التي أرسل صورة بها بالبريد وكانوا ينتظرون عودته بفارغ الصبر ليتباهون به وكانوا يشجعونه دائمًا على العودة بالعروسة التي اختاروها له ثم انتظروه بطلا عندما عرفوا بإصراره على البقاء للدفاع عن مصر إلا أنه عاد إليهم شهيدًا ليقام القداس في الكنيسة الأرثوذكسية التي ينتمي إليها والتي استقبلت أيضًا عام 2007 جثمان شقيقته "دعد" والتي ودعتها سوريا وداعًا مهيبًا لسيرة شقيقها ! "جول جمال" نالت روحة الطاهرة وسيرته تكريمًا عديدًا من أوسمة عسكرية من مصر منها الوشاح العسكري والنجمة العسكرية من جمال عبد الناصر والذي أمر بإنتاج فيلم عنه باعتباره شهيدًا للقومية العربية اسمه "عمالقة البحار" قام ببطولته أحمد مظهر وأدى شقيقه "عادل جمال" دوره فيه وتقررت قصته في المناهج المدرسية قبل حذفها في أواخر السبعينيات.. وأصبح 4 نوفمبر عيدًا لمحافظة كفر الشيخ وحصل كذلك على الوشاح الأكبر من بطريرك أنطاكية وسائر المشرق لطائفة الروم الأرثوذكس ووسام القديسين بطرس وبولس من درجة الوشاح الأكبر وكرمته الجمعية الخيرية في قرية المشتاية في مدينة حمص بتمثال معلق في ساحة الثانوية التي تحمل اسمه ومعها مدارس وشوارع مهمه في رام الله ودمشق واللاذقية.. وفي المهندسين بالجيزة والإسكندرية والألف مسكن بالقاهرة، وكنا نتساءل من قديم ونحن كنا صغارًا من هو "جول جمال".. حتى سألنا وعرفنا.. فكتبنا عن سيرة بطل عظيم يلحق بالسيرة العطرة والمكانة الرفيعة في الضمير العربي والإنساني للبطل ابن سوريا أيضًا سليمان الحلبي!