كيف يبدو عالمك من النافذة؟.. ذلك الإطار المفتوح على الحياة، المتناقض مع جدران غرف المنزل الأسمنتية، يضيف بعدا جديدا للأبواب المغلقة.. يجعلنا نحتمل زحام الشوارع.. نقص المتنزهات، ظهور عصافير المدينة بألوان باهتة، والملل. ربما تحدد النوافذ طبيعة المطلين منها، فتلك التي تفصلها عن «براح» الشوارع قضبان حديدية، تجعل التحليق عبرها أمرا مستحيلا، هنا.. يحبس الحلم داخل صاحبه، مكتفيا بالمساحة المحدودة ما بين أرضية الغرفة والسقف، أما الأجنحة فتراها منحنية.. تتحاشى الاصطدام. النوافذ المصنوعة من الخشب، تسمح بدخول الضوء إلى الغرفة، طوال ساعات النهار، ليرقص في خفة على الحائط المقابل، أو يكون سببا في الإزعاج الصباحى، في حالة وضع السرير في مواجهة النافذة، لذا فهي تصلح لموظفي الحكومة، والمؤرقين، والأطفال، حتى يصيبهم دفء خيوطه الذهبية. للشرفات مفهوم آخر، تتحول إلى مساحة تنزه للعائلة متوسطة الدخل، بعد أن قلت فرص «الفسحة».. وباتت مرتبطه بمعادلة حسابية، لا يمكن أن يجمعها والميزانيات المحدودة مربع واحد. الشرفات دائما تصلح غرفة مفتوحة للتخزين، الفلفل الأحمر، الملوخية الخضراء، الثوم، البصل، ولتعليق السلة التقليدية المصنوعة من الخوص، المخصصة لجلب طلبات البيت من الباعة الجائلين، أما الغسيل، فيعطي دلالات عن أصحاب البيت، كعددهم، أعمارهم، أسلوبهم في الحياة، والروح الجمالية لربة المنزل. ترتبط أيضا بالنوافذ والشرفات، علاقات الجيران بعضهم بعضا، قصص الحب والكراهية والنميمة، حوادث اختلاس النظر، تبادل المحبة، ومعارك الغسيل، فالشرفات والنوافذ قد تحدد علاقتنا مع المحيطين، أما من يرغب العزلة، فعليه استبدال النوافذ التقليدية بنوافذ «الالوميتال»، المصنوعة من المعدن والزجاج، التي تؤدي إلى منع تسرب الهواء والأتربة والأسرار أيضا. تعامل الأجيال المختلفة مع النوافذ والشرفات، يستوجب التأمل أيضا، فالطفل المبهور بالعالم، يرى فيها بوابة للحياة الجديدة، في حين لا يسلم العابرون من مقالبه الشقية، فهو ليس كالرجل المسن، الذي يقطع الوقت بالتأمل، حاملا في قلبه بطء الوقت، وانتظار مشهد النهاية.