يرى بعض الباحثين والمتخصصين في مرض "الجذام"، أن الخوف من مرض الجذام، ليس مرتبطًا بمنطقة بعينها وإنما هو ظاهرة عالمية مبنية على الأفكار الدينية العالمية بخصوص هذا المرض، مؤكدين أن الخوف من هذا المرض يقف في حد ذاته عقبة أمام برنامج المراقبة على هذا المرض، ذكر الجذام ووصف في الكتب الدينية الهندوكية وذلك في كتابى "سمريتيس، وفرديا" الهندوكيين. ويطلق عليه اسم "كوشتا" وهى كلمة سانسكريتية وتشير إلى مرض جلدى على وجه العموم، والبارز منه ما هو معروف باسم الجذام. يعد مرض الجذام من الأمراض المعدية والمزمنة، رغم أنها لا تنتقل بسهولة من شخص إلى آخر، وتسببه إحدى أنواع البكتيريا العضوية. وعادةً ما يؤثر على الجلد والأعصاب الطرفية والغشاء المخاطى المبطن للجهاز التنفسي، وكذلك العيون. وإذا لم يتم علاج الجذام، فيمكن أن يؤدى إلى تلف دائم ومتزايد في الجلد والأعصاب والأطراف والعيون. ويؤدى تأثر بعض الأعصاب الطرفية إلى أنماط مميزة من الإعاقة. وحسب منظمة الصحة العالمية يمكن أن يظهر الجذام في صورة طفح أو حبة (عقدة) جلدية، ويمكن أن يكون أول علامة له منطقة من التنميل (الخدر) بالجلد، ويعتبر ظهور بقعة جلدية باهتة أو حمراء فاقدة للإحساس من العلامات المميزة للجذام. ينتقل المرض من خلال الغشاء المخاطى للأنف للشخص المصاب إلى جلد أو غشاء الجهاز التنفسى لشخص آخر. ويحتاج انتقال العدوى إلى اختلاط لصيق، أما الانتقال غير المباشر للمرض فيُعد احتمالًا بعيدًا. عُرف الجذام في الحضارات القديمة في الصين ومصر والهند. ويعود إلى عام 600 قبل الميلاد تاريخ أوّل إشارة كتابية معروفة إليه. وعلى مدى التاريخ كان المصاب، في كثير من الأحيان، يُنبذ من مجتمعه وأسرته. ورغم أنّ الجذام كان يعالج بطريقة مختلفة في الماضي، فإن الطفرة الأولى في علاجه حدثت في الأربعينيات إثر استنباط دواء الدابسون الذي أوقف المرض. ولكن فترة علاج الجذام كانت تستغرق سنوات طويلة، وربما امتدت طوال عمر المريض، فكان من الصعب على المريض متابعة العلاج. وفى الستينيات بدأ الجذام الناجم عن المتفطرة يقاوم دواء الدابسون، وهو الدواء الوحيد المعروف بالعالم في ذلك الوقت لعلاج الجذام. واكتُشِف في مطلع الستينيات الريفامبسين والكلوفازيمين، وهما المكوّنان الآخران للعلاج بأدوية متعدّدة. ويؤدى المرض إلى تشوهات تعمل على تلف الألياف العصبية وفقْد الأعضاء لوظيفتها، وبالتالى يفقد الجلد الإحساس وتشل العضلات، وينتج عن ذلك تقرح الجلد وتشوه بعض المفاصل. تؤكد منظمة الصحة العالمية أنه كلما بدأ العلاج مبكرًا كلما كانت النتائج أفضل. وتوصى المنظمة باستخدام ثلاثة عقاقير في وقت واحد للعلاج وهى ريفامبيسين وكلوفازيمين ودابسون. وتوفر المنظمة العلاج مجانًا لكل مرضى الجذام في كل دول العالم، وذلك من خلال منحة من شركة نوفارتيس ومؤسسة نوفارتيس للتنمية المستدامة. ورغم أن العدوى في الجذام عالية، إلا أن الإصابة بالمرض ليست عالية، وفى الواقع فإن خمسة بالمائة من المخالطين خلطة شديدة للمجذومين هم الذين يصابون بالمرض، وفى المناطق المصابة بمرض الجذام؛ فإن معظم البالغين من الأصحاء قد أصيبوا بميكروب الجذام، ولكنه لم يسبب لهم أي مرض على الإطلاق. يظهر الجذام بصور متعددة، وأول ظهوره على الجلد بصورة بقعة صغيرة، ونادرًا ما تلفت الانتباه، وتعتبر هذه المرحلة غير محددة Indeterminate Form وسرعان ما يتحدد الجذام بأحد نوعين رئيسين، وبينهما درجات مختلفة. وذلك يعتمد على درجة المقاومة، وجهاز المناعة في جسم الشخص المصاب. تعتمد المناعة في الجذام على ما يسمى المناعة الخلوية Cell Mediated Immunity. بينما لا تؤدى المناعة الخلائطية إلا دورًا محدودًا بالنسبة للجذام، ويظهر نوع الجذام بناء على ظهور المناعة الخلوية أو عدم ظهورها. النوع الأول من الجذام هو الدرني: ويشتد التفاعل المناعى في هذا النوع فتحدث التفاعلات، ويزداد الورم الحبيبي؛ مسببًا إصابة الأعصاب الطرفية، وبالتالى مؤديًا إلى فقدان الإحساس في الأطراف مما يؤدى إلى موتها وسقوطها ويسمى هذا التفاعل الأول Type I Reaction. ورغم أن هذا التفاعل ناتج عن شدة مناعة الجسم؛ إلا أن الضرر على المصاب كبير وخطير. والنوع الثانى هو الجذام الأسدي: ويتميز هذا النوع بشدة العدوى وخاصة من إفرازات الأنف؛ حيث يحتوى الملليلتر على 1×810 من ميكروبات الجذام، وتحتوى العطسة القوية على 2×810 ميكروب من ميكروبات الجذام. وتختلف فترة الحضانة اختلافًا كبيرًا، وتتراوح بين ستة أشهر وثلاثين عامًا، ولكن معظم الحالات تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات. وتعتبر مصر أقل الدول إصابة بمرض الجذام في أفريقيا، وتوجد بها مستعمرة الجذام وتحديدًا في منطقة أبو وزعبل، وتعتبر الأخيرة الباقية في مصر. عندما بنى ذلك المكان في الثلاثينات كان نائيا ومنعزلا في الصحراء. وفى مرحلة سابقة كان كل مصرى يكتشف أنه مصاب بالجذام ينقل بالقوة إلى هنا على يد الشرطة. وأصبحت المستشفى بالنسبة لكثيرين ملاذا أمنًا ومكانا يشعرون فيه بالقبول والتفهم. وكان بعض المسؤولين اقترح أنه يتعين التخلص من مستعمرة الجذام، اذ لم تعد هناك حاجة لها، لكن الاقتراح قوبل بمعارضة شديدة من المصابين السابقين بالمرض. ومع أن كثيرًا منهم لديه ذكريات سيئة عن وقت وصوله إلى المستعمرة، لكن الجميع يصرون أنها قلب مجتمعهم الجديد. لقد بدأت قصة "أبو زعبل" عام1933م عندما تم تأسيس مستعمرة الجذام في مكان ناء على بعد ثلاثين كيلو مترًا خارج القاهرة، وكانت النية في الأصل أن يكون هذا المكان هو مجتمع مستقل بذاته على مساحة خمسين هكتارا من الأراضى الزراعية، وبدلًا من ذلك وجد المرضى الذين تم إرسالهم إلى هناك أنفسهم محبوسين في سجن مفتوح مع عدم القدرة على الاتصال بالعالم الخارجى. ومع إهمالهم من جانب السكان المحليين، ووجود مصادر قليلة للاعتماد عليها، فإن المستعمرة أصبحت بحاجة للإصلاح. وزحف العمران السريع في القاهرة إلى المنطقة المحيطة "بأبو زعبل" التي كانت صحراء ذات يوم، وقد وصلت مناطق عمرانية على أطراف العاصمة إلى أسوار المستعمرة. وهذا الاندماج الجديد للمرضى في المجتمع الأوسع يعكس تحولًا في الأوضاع العالمية نحو مرضى الجذام وهو الذي يعرف أيضًا باسم"مرض هانسن" وهو أقدم الأمراض المسجلة. وفى العصور الوسطى كان مرضى الجذام في بعض أنحاء العالم يتم إجبارهم على ارتداء أحزمة بأجراس موسيقية، واستخدام عملة منفصلة خوفا من انتشار العدوى. وفى عام 1951أصبح هذا المرض قضية صحية مهمة في 122دولة، وتوضح الأبحاث أن 95%من الناس لديهم مناعة طبيعية ضد مرض الجذام، وأن المرض ليس وراثيًا. وأتاحت منظمة الصحة العالمية المعالجة بالأدوية المتعددة مجانًا أمام جميع المرضى حول العالم منذ عام 1995، ووفرت بذلك علاجًا بسيطًا وشديد الفعالية لجميع أنواع الجذام. ونجح العالم في التخلص من الجذام في عام 2000 (أي أنه حقق معدلًا لانتشار الجذام يقل عن حالة واحدة لكل 000 10 نسمة على الصعيد العالمي). وقد تم شفاء نحو 16 مليون مريض بالجذام بواسطة المعالجة بالأدوية المتعددة. تحسنت كثيرًا مكافحة الجذام بفضل ما تفعله الدول، وأصبح تشخيص المرض وعلاجه من الأمور السهلة، وذلك نتيجة تعاون الخدمات الأولية لمكافحته في القائم من الخدمات الصحية العامة، وفى إطار تنفيذ الإستراتيجية العالمية لمكافحة الجذام للأعوام 2011◌ 2015. أشارت منظمة الصحة العاليمة إلى أن عدد المصابين بالجذام في عام 2012 بلغ نحو 182 ألف شخص، في حين تم الإعلان في عام 2011 عن 228 ألف إصابة بالجذام، وأغلبية المرضى من قارتى آسيا وأفريقيا، وأكثر الدول المتضررة من بين 17 دولة تحتضن المرض هي الهند وإندونيسيا والبرازيل. بلغ عدد مرضى الجذام في مصر 649 حالة في عام 2011، وتراجعت إلى أقل من 600 مصاب في العام الماضي بحسب ممثل منظمة الصحة العالمية في القاهرة الدكتور هانى حسن، مؤكدا أن هناك 700 حالة يتم الإبلاغ عنها سنويا، بينما يتم الإبلاغ عن 800 حالة سنويا في السودان. كما أشار إلى أن إقليم شرق البحر المتوسط به 4 آلاف حالة سنويا، وأفريقيا 25 ألف حالة سنويًا وأمريكا اللاتينية تسجل 27 ألف حالة سنويًا. ويحتفل العالم في 31 يناير من كل عام باليوم العالمى لمرض الجذام، لزيادة الوعى العام لمرض الجذام أو داء هانسن. تم اختيار هذا اليوم تخليدًا لذكرى وفاة الزعيم الهندى غاندى الّذى أدرك أهمية مرض الجذام. ويتم في هذا اليوم عقد العديد من المؤتمرات في الدول الأفريقية والآسيوية، لكى تباشر الدول في عرض ماهو جديد حول المرض، وإلى ما وصلت نسبة الشفاء، وكام تبقى عدد من المرضى، وكم لديهم الوقت لكى يتعافوا من هذا المرض الخطير، مثل ما يحدث في ليبيا وتشاد ومورتنيا. في المغرب تم تسجيل 37 حالة في نهاية عام 2013، ويصل عدد الحالات التي تسجل سنويًا إلى 50 إصابة بالجذام. يأتى في مقدمة الخطوات المطلوبة من الحكومات المعنية توفير إحصاءات دقيقة للمصابين بالمرض، ولمن هم معرضون للعدوى بحكم قربهم من المرضى، لضمان الوصول إلى كل المصابين وعلاجهم. وأكدت دراسة سويسرية أجريت مؤخرًا أن الجُذام، الذي كان من أمراض العُصور القديمة والذي انتقَل إلى العالم عن طريق حركة الأسفار والتجارة من شرق أفريقيا، لم يطرَأ عليه تغيير كبير، رغم انقضاء هذا التاريخ الطويل. وترى منظمة الصحة العالمية أن الجذام مرض قابل للشفاء لو تم التعامل معه بطريقة طبية سليمة. المصادر: موقع منظمة الصحة العالمية مقال الإعجاز الطبى في الأحاديث الواردة في الجذام – د. محمد على البار موقع الهيئة العامة للاستعلامات موقع بى بى سي موقع swissinfo موقع موسوعة الملك عبد الله بن عبد العزيز