كنت على مرمى حجر من شيخ المسجد، وهو يخطب في المصلين خطبة الجمعة .. كان يخطب وكأنه ينفخ في الكير، ويصب الزيت المغلي في عقول المصلين ، الذين أتوا إلى المسجد من وازع إيمانهم، وتقواهم دون تكليف من رئيس أو صاحب عمل .. وعندما نظرت إلى وجهه وجدته قد أحمر على سُمرته، واستطال رغم استدارته ، ووجدت العرق يتصبب من جبينه ،وينساب كجدول ماء، وكأنه خرج لتوه من معركة حامية الوطيس !! ومع أن الدين يسر لا عسر فيه، إلا أن الشيخ كان يضع أمامنا كل العسر، ويتوعد المصلين نارا وقودها الناس والحجارة ، وأخذ يعدد المحرّمات حتى ظننا أن الله لم يحل لنا شيئا في الدنيا، ولم ييسر لنا أمرا في الدين .. إلا أن الطامة الكبرى التي أرهقت قلبي كانت عندما أخذ الشيخ يحذر من التعرض لتك الفتاوى التي تصدر من علماء الدين بالنقد أو التعقيب فقال : إن لحم العلماء مسموم .. وآية ذلك أنه رأى بعيني رأسه في بلدته في أقاصي الصعيد رجلا ينتقد عالما من علماء الدين من أهل القرية ويسخر من علمه فإذا بالله ينتقم من هذا المنتقد الساخر بأن جعله يلد سمكة !!! ثم مات مفضوحا بعد ذلك !!... وبعد أن انتهت الخطبة توجهت للخطيب أناقشه في قوله هذا وأدعوه إلى اتخاذ منهج يقوم على العقل والعلم لا على النقل والجهل، لأن قصته هذه تتعارض مع صحيح الدين والعلم، فضلا عن أنه يخطب في مسجد يرتاده صفوة من المثقفين... إلا أن الخطيب أعرض عني ورفض الاستماع إلى بقية حديثي ونظرته تتهمني بالتسيب في الدين !! فما كان مني إلا أن هجرت هذا المسجد هربا بعقلي وقلبي .. وعندما حدثت أحد أصدقائي بهذه القصة قال لي إنه استمع إلى خطيب جمعة وهو يقول :( بصق رجل من العصاة في الطريق فشربت ذبابة من بصقته فارتوت فدخل الرجل العاصي ببصقته هذه الجنة ) فذهب إليه الصديق بعد الخطبة وقال له : هل أفهم من خطبتك أنك تشجع الناس على البصق في الطرقات ؟ !! فنهره الشيخ واتهمه في دينه ،وكاد أن يطرده من المسجد.. وعندما تناقشنا مع أحد علماء الأمة ومفكريها عن أزمة « خطبة الجمعة « قال لنا: إن معظم معارفه هجرت خطبة الجمعة لأنها لا تجد الخطيب اللبيب ، فقد ذهبت أيام الغزالي والقرضاوي وغيرهم من الأفذاذ وحلت علينا أيام البؤس والنكد .