في قلب حارة درب المهابيل تقع الحانة العظيمة التي توحي للحارة كلها بالإبداع، ونظرا لأن الحانة صدر لها في عهد الإخوان الميمون قرار إزالة استنادا إلى أنها مقر للفجور والمنكر، فقد استعوضنا الله واكتفينا بسماع تصريحات مستشاري الرئيس وأعضاء جماعة الإخوان، فهي والحمد لله تقوم مقام مشروب الجعة، بالإضافة إلى أن مفعولها يتفوق على مفعول البانجو والترامادول. وأثناء تنفيذ قرار إزالة الحانة توالت تصريحات فضيلة عناية الدكتور عصام العريان- مستشار الرئيس- والتي هاجم فيها الصحافة والصحفيين، ولما كانت الصحافة التي هاجمها الأخ المستشار الدكتور العريان هي نفسها الصحافة التي وقفت معه حينما حبسه نظام مبارك، وهي أيضا التي طالبت دائما وتكرارا بإطلاق سراحه، لكنه لأنه الآن أصبح حاكما فقد أصبحت ضرورات الحاكم تختلف عن ضرورات المحكوم، فالحاكم يحب أن تشكر فيه الصحافة ليل نهار، وأن تمتدح جماله ومواقفه، والصحافة تبحث عن الخبر، وترفع من قيمة الرأي سواء كان مع الحاكم أو ضده. المهم أيها السادة الكرام توالت تصريحات الكثير من الإخوان ضد الصحافة، وكانت أكثرها حدة وقسوة ما قاله مرشد الإخوان فضيلة سماحة قداسة الأخ محمد بديع، وكان قد اعتبر الصحفيين سحرة فرعون والعياذ بالله. ذهبت التصريحات المؤذية في حالها، واستمرت في الوقت ذاته أعمال إزالة الحانة من الوجود، وأثناء عمليات الإزالة والحفر عثر العمال على صندوق مدفون في قاع أرض الحانة، يا الله، ما هذا الصندوق؟ هل يوجد فيه كنز من الكنوز القديمة؟! إذن ستتحول حارتنا إلى أشهر الحارات وستغدق على مصر، فنحن لا نطمع في شيء لنا، لكننا نحب أن تستفيد مصر كلها. وعلى الفور جاء للحارة مجموعة محترمة من رجال الآثار، وللصدفة البحتة وبعد فتح الصندوق قال لي المهندس المختص: يا أخ أبو يكح الجوسقي، سأنقل لك خبراً مهماً. قلت له وأنا أزدرد ريقي: خير إن شاء الله يا باشمهندس! قال المهندس: هذه الحانة كانت في الأصل منزل قديم من البيوت المصرية من عهد الأسرة الفرعونية الرابعة. تعجبت من هذه المعلومة فقلت للمهندس: منزل فرعوني، هذا تاريخ موغل في القدم. استرسل المهندس قائلا: واتضح لنا من خلال الحفريات والوثائق التي عثرنا عليها أن هذا المنزل هو بيت الجد الأكبر لمرشد الإخوان الدكتور محمد بديع عبدالمجيد سامي حار حور. قلت مندهشا: حار حور! فضيلة مرشد الإخوان اتضح إنه «حار حور» ونحن لا نعرف، هذه وأيم الله إحدى الكُبر. استمر مهندس الآثار قائلا: وقد كان جده الأكبر كاهنا من كبار الكهان الفراعنة. أومأت مؤكدا: شيء طبيعي فالمثل يقول العرق يمد لسابع جد، كلهم كهنة، كلهم يمتلكون ماء السماء الطهور. تجمع أهل الحارة يريدون الاطلاع على الأشياء التي عثرت عليها لجنة الحفريات في الصندوق، فأخرج لنا المهندس لفافة كبيرة عبارة عن مجموعة من أوراق البردى مكتوبة باللغة الهيروغليفية، ونظرا لأنني تخرجت أساسا في كلية الآثار جامعة القاهرة وأتقن اللغة الهيروغليفية، فقد طلب مني أهل الحارة أن أقرأ لهم المكتوب في تلك الأوراق، أخبرتهم أن الأوراق تحتوي على قصة الجد الفرعوني الأكبر لمرشد الإخوان محمد بديع عبدالمجيد سامي حار حور. أخذت على مهل اقرأ المكتوب في البرديات، وأهل الحارة كلهم يستمعون لي: (أنا الكاهن الأكبر «حار حور» الشهير ب «آه– ياني– منه» وقد ولدتني أمي بشكل مختلف عن باقي البشر إذ كنت أحمل كرباجاً في يدي اليمنى وما أن سحبني الطبيب الفرعوني «بتاح» من بطن أمي حتى انهلت عليه ضرباً بالكرباج، وإذا كان الأطفال يولدون وهم يبكون فإن الأمر كان مختلفاً معي، فأنا لم أبك ولكن الذي بكى هو الطبيب «بتاح».. ويقولون عنى أنني عندما التحقت بمدرسة «كهنة منف» قدم مدير المدرسة استقالته، وبعد أيام شوهد وهو يلقي بنفسه من فوق هرم خوفو الأكبر. أما مدرس اللغة الهيروغليفية فيقال أنه عندما رآني اعتراه الذهول وفقد القدرة على الكلام وأصيب بالتخلف العقلي، وبعد أيام شوهد وهو يربط رأسه بمنديل آمون، ويحمل قفة فوق رأسه كان قد وضع فيها جعارين وبرديات وأخذ يبيعها على باب المدرسة، وبعد أيام تم إدخاله إلى خانكة الأمراض العقلية الكائنة في «آل– عبا– سية» وكانت هذه هي نهاية هذا المدرس التعيس. أما زملائي في الدراسة فقد خرجوا جميعاً من المدرسة إلى مدرسة «التأهيل المهني» وقد أصيبوا جميعاً بعاهات مختلفة أقلها ضراوة فقد العينين، ناهيك عن أولئك التلاميذ المساكين التي بترت أطرافهم، وقطعت ألسنتهم دون أن يدري أحد من هو المتسبب في هذه الجرائم، والغريب أن البعض بعد أن يصاب أحدهم بعاهة كان ينظر إليّ شزراً، وقد ظهرت في عيونه نظرات شك وريبة. وعندما تخرجت من المدرسة بأمان «الإله آمون» ورعايته التحقت بكلية الكهنة العليا التابعة لجامعة «عين– شم– س»، وبعد أن تخرجت من الكلية ترقيت سريعاً في مواقع الكهنوت، وكانت الترقيات من الأمور اليسيرة، إذ كان الكهنة الأقدم مني يموتون فجأة، دونما سبب وكأن رعاية الإله آمون تلاحقني وتشد من عضدي.. وعندما مات أبي تم تحنيط جسده ومن فرط حبي لأبي قمت ببيع الجسد المحنط إلى بعض السائحين القادمين من بلاد الغال مقابل بعض الفرنكات، وذلك وفقاً للمثل الفرعوني الحكيم (الحي أبقى من الميت). وهنا انتهت البردية الأولى.. أما البردية الثانية فقد جاء فيها: ( أنا «صاح- في» كاتب البرديات الشهير، وقد أصبحت أشهر كتّاب البرديات في منف، وكنت أول من أطلق على مهنتنا اسم «صحفي» فالاسم مشتق من اسمي، فضلا عن أن الواقعة الآتية كان لها الفضل الأكبر في تسمية مهنتنا بمهنة الصحافة، وإليكم الحكاية بالتفصيل: كان من سوء حظي أن نشأت في عهد الكاهن آه ياني منه، وقد عرفنا أن هذا الكاهن يكره مهنة الصحافة كراهية التحريم، حتى أنه في يوم من الأيام وفي ساحة المعبد الأكبر رآه الناس يهجم على صحفي وينهال عليه ضربا بالكرباج، والصحفي يقول: حرمت والله يا فضيلتك، مش هاشتغل صحفي تاني، ثم هجم الكاهن على الصحفي، وأطبق على أنفاسه وهو يقول له: أنت من سحرة فرعون، قل صح، فقال المسكين : صح، صح، صح، وعندما تحشرج صوته قال كلمة «في» فأصبحت مهنتنا هي مهنة الصح في). أما البردية الثالثة فقد جاء فيها: ( أنا «زكا ريا» مؤرخ الصحافة الفرعونية وأقول لكم إن شائعات تقول إن من بنى الأهرامات الثلاثة هم خوفو وخفرع ومنقرع والحقيقة أن الذي بناها هو الكاهن الأكبر آه ياني منه، وقد بناها حتى يتم حبس الصحفيين الفراعنة فيهم، وقد كان هذا الكاهن أعدى أعداء الصحفيين، ويقال أنه عندما كان يرى أحد باعة الصحف وهو يحمل أوراق البردى ويصيح بصوت عال «إقرأ الأهرام وأبو الهول ومجلة المرأة حتشبسوت» كانت تنتاب الكاهن حالة متفاقمة من الهيجان، حيث يجرى وراء بائع صحف البردى ويرديه أرضاً ويأخذ فى عضه وكتم أنفاسه، وكان الأمر فى بعض الأحيان يتطور إلى درجة إحضار ونش مكتب إرشاد المعبد الأكبر لرفع الكاهن من فوق بائع الصحف، فما بالكم بالصحفى نفسه، لقد كان الكاهن يحتفظ «بكرباج» سودانى فى مكتبه، وما أن يدخل إليه أحد الصحفيين لإجراء حوار صحفى حتى نجد الكاهن يجرى خلف الصحفى فى أروقة المعبد الأكبر ضارباً بالكرباج فى الهواء، والصحفى يجرى صارخاً قائلاً بصوت مرتعش: حرمت يابيه آخر مرة آجى لك المعبد). البردية الرابعة: (فلينجدني أحدكم أنا الطبيب «بتاح» وقد كان من سوء حظي أنني قمت بتوليد المسكينة أم الكاهن آه – ياني – منه وأنا الذي سحبته بيديّ هاتين للحياة، ومن ساعتها وأنا ألوم نفسي لوماً شديداً، لكن ماذا أفعل وهذا المختل كان يحمل كرباجاً في يده وقت ولادته، إن هذا المختل ناكر للجميل لا يعرف عرفاناً أو وفاء، انتهت حياة كل معارفه نهاية مؤسفة ما بين انتحار أو قتل غامض.. وعندما كان آه – ياني – منه على وشك أن يصبح رئيساً للكهنة غامرت مغامرة رهيبة، وقمت بتحذير كل الكهنة من آه – ياني – منه، ومن خطورته ووحشيته، والحمد لله اقتنع كل الكهنة بخطورة هذا المختل وقرروا إبعاده من الترشيح، لكن المختل عاقبني وحبسني في سجن مدينة طيبة العمومي، الحمد لله أنني خلصت العالم من شره.. إنجدوني وأخرجوني من السجن...) البردية الخامسة: (عدت الآن من تشييع جنازة الطبيب المسجون بتاح وقد قضى نحبه داخل السجن.. وقد حضرت الجنازة بصفتي الكاهن الأكبر لكهنة الإله آمون توقيع آه – ياني – منه) انتهت البرديات فصاح أهل الحارة بصوت واحد «يا دهووووووتي».