- يمدح الرؤساء فى بداية توليهم وينتقدهم بعد الرحيل فى سبتمبر 1970، كتب أمل دنقل: «قلت لكم مرارا إن الطوابير التى تمر فى استعراض عيد الفطر والجلاء (فتهتف النساء فى النوافذ انبهارا)/ لا تصنع انتصارا»، ثم أطلق قصيدته الأشهر (لا تُصالِحْ) فى وجه الرئيس المؤمن أنور السادات.. دون أن ينتظر الظروف المواتية لنشر قصيدته المعارضة للنظام الحاكم وقتها.. لكن على العكس تمامًا من جموح شاعر الرفض، طالعنا الأستاذ محمد حسنين هيكل منذ أسبوعين –فقط- على صفحات «الشروق»، بحلقات من كتابه الجديد «مبارك وزمانه... من المنصة إلى الميدان». من المؤكد أنه فى زمن ثورة المعلومات ووسائل الاتصالات -التى لم تكن متوافرة لأمل دنقل- كان بإمكان الأستاذ نشر هذه المعلومات ببساطة بأى اسم مستعار، فتصل الرسالة المهمة لمن يعنيه الأمر دون أن يتعرض هو لأى مشاكل.. وفى شبكة الإنترنت متسع للجميع، كما يفعل كثيرون منذ سنوات وسنوات عبر المواقع والمنتديات والمدونات والمجموعات البريدية والتغريد على «تويتر» و«الفيس بوك». سقطت –إذن- أى حجة فى حجب مادة هذا الكتاب عن الجماهير المتعطشة لتجليات قريحة الأستاذ الذى سبق أن استأذن فى الانصراف ثم عاد أكثر قوة وأوسع انتشارا من ذى قبل.. فلماذا كتم هذه المعلومات فى وقت كان يجب أن تصل فيه إلى الناس ولماذا يظهرها الآن؟!!».. أسئلة لا تكتفى بالإجابات التى وردت فى تقديم هذه الحلقات بقدر ما تفتح مجالا للمقارنة بين موقفى «دنقل» والأستاذ، فقد انحاز أمل الأول إلى قناعاته فاختار زرقاء اليمامة لتلعب معه دور العرافة المقدسة عسى أن ينجح فى تنبيه الناس للخطر القادم خلف قوافل الغبار، فغضب السلطان وحكم عليه بالإقصاء فلم يُدعَ يومًا إلى المجالسة.. ومضى فى طريقه الذى انتهى ب «الغرفة 8» فى أحد المستشفيات بعد صراع مع الجهل والتجاهل والفقر والفساد والإهمال والمرض.. وإذا استعرضنا تاريخ الأستاذ هيكل فإننا بسهولة نكتشف أنه لم يجرؤ على مواجهة أى رئيس أثناء وجوده فى السلطة وبعد ما يغادرها يشحذ قلبه ويشمر عن ساعديه ويوسعه نقداً وتجريحاً.. ففى عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، كان هيكل يسبّح بحمده ويصفه بأروع الأوصاف وعندما مات أصدر كتابه «لمصر.. لا لعبد الناصر» وفيه هاجم الزعيم وبشر المصريين بقدوم السادات الذى كان اقرب الكتّاب إليه وعندما اغتيل السادات، أصدر الأستاذ كتابه «خريف الغضب» وفيه انتقد السادات بشدة وقال ما لم يكن يجرؤ على قوله قبل وفاته وفى ذات الكتاب أثنى على مبارك وقال إنه قادر على قيادة مصر فى المرحلة المقبلة ومؤخراً وبعد أن خرج المخلوع من السلطة هاجمه فى كتابه «مبارك وزمانه من المنصة إلى الميدان» .. ويبقى سؤال بريء: لو أن تميم البرغوثى –مثلا- خشى على نفسه من التهلكة وآثر السلامة فطوى قصيدته التى قال فيها: «يا مصر هانت وبانت كلها كام يوم/ نهارنا نادى ونهار الندل مش باين....»، ثم جاء الآن ليلقيها فى أى محفل أو حتى يبعثرها على الشبكة العنكبوتية.. هل سيكون لذلك أى تأثير أو قبول!