.. ويكتمل مسلسل تعليم الأدب والأخلاق فى عالم كرة القدم عند الأوروبيين. فأمس القريب قدم نادى روما الإيطالى درسا لكل من يتابع كرة القدم، مفاده أن الأخلاق والاحترام والالتزام فوق كل شىء مهما كان حجم مَن ارتكب الخطأ. فروما خرج مهزوما من أودينيزى بهدفين مقابل لا شىء، ليجتمع اللاعبون فى الصباح الباكر من أجل إجراء الحصة التدريبية العادية، وليصطدم جميع من فى الملعب بموقف غريب بين المهاجم الإيطالى بابلو أوسفالدو وزميله لاعب الوسط الأرجنتينى إيريك لاميلا. فالعتاب كان من جانب أوسفالدو الذى أخبر زميله بأنه لو كان قد مرر له الكرة لما خرجوا مهزومين، وليرد عليه لاميلا بالقول: لست مارادونا لتعاتبنى، فيباغته أوسفالدو بلكمة فى وجهه! وليخرج مسؤولو روما وعلى رأسهم المدير الفنى لويس أنريكه، ومدير النادى فرانكو بالدينى، يعلنون وقف اللاعب مباراة تبدأ من المباراة القادمة التى تعد صعبة كونها خارج ملعبهم وأمام فيورنتينا، والعقاب الثانى تغريم اللاعب أوسفالدو 30 ألف يورو. وكالعادة توجه الصحف سؤالا محرجا -بالنسبة إلينا- إلى المدير الفنى: لماذا مباراة فيورنتينا؟! أليست هى المباراة المهمة وأوسفالدو هو المهاجم الكفء؟! ليرد أنريكه ردا محرجا أيضا بالنسبة إلينا: نعم العقوبة أمام فيورنتينا وأوسفالدو معاقَب ومغرَّم حتى لو اعتذر! درس قاسٍ بالنسبة إلى اللاعب وبالنسبة إلينا كجموع عرب يتابعون كرة القدم، ولكنه بالنسبة إلى الأوروبيين ما هو إلا استكمال لمسلسل الاحتراف الراقى والخُلقى، الذى يعتمد على تكوين قدوات وسفراء كبار للعالم يقتدون بهم فى لعبهم وفى قوانينهم الخاصة بالاحتراف، التى لا تعترف بالاسم والشعار. ونحن كعرب ووطن عربى نتعامل مع القضية بشكل مختلف تماما، فلو أخطأ نجم الفريق تغاضت الإدارة والجماهير عن ذلك، بل وتلتمس له الأعذار، فما بين عذر نفسى وعذر اجتماعى، تتعدد الأعذار، وتنحدر مستويات كرة القدم عندنا كعرب، لأننا بالفعل كمن يسير على سطر ويترك الآخر. ولو ركز أى مسؤول نادٍ على تنفيذ العقاب بصرامة ودقة وحيادية شديدة، لما شاهدنا لاعبين يتطاولون على زملائهم أو مدربيهم، أو حتى أنديتهم بتلك الطريقة، وذلك من وجهة نظرى لأننا لا نطبق أول ركن من أركان الاحتراف وهو الالتزام. ونعود مرة أخرى إلى أوسفالدو، فاللاعب اعترف بخطئه والتمس العذر من الجميع بطريقته، فبعد التدريب توجه إلى زميله لاميلا واعتذر له، ووقف أمام جميع اللاعبين والجهاز الفنى يدعوهم إلى حفل عشاء فاخر فى أحد أرقى المطاعم فى العاصمة روما، معبرا عن أسفه أمام الجميع، وموجها اللوم إلى نفسه قبل كل شىء، بل وراضيا بالعقوبة التى وقعت عليه. ما زلت أؤكد لكم أننا ما زال أمامنا الكثير حتى نصل إلى مثل ذلك الموقف الذى يعد من سلسلة مواقف تربوية حقيقية يمارسها الأوروبيون بدقة، فتنعكس عليهم بشدة. وللأسف فنحن ما زلنا نستغل العكس عبر صحفنا وفضائياتنا، فأصبح العقاب الصارم آخر ما نفكر فيه.