لم تكن الناس التى خرجت فى ثورة 25 يناير تريد إسقاط مبارك وعائلته فقط.. ولكنها كانت تريد إسقاط النظام كله بشخوصه ومؤسساته وقوانينه «سيئة السمعة». فقد كان عصر مبارك عصر استبداد وفساد ونهب للمال العام وانتهاك لحرمات الناس.. واعتقالات وتعذيب فى السجون وأقسام الشرطة. كان ذلك يتم فى وجود مؤسسات الدولة التى تم تأمينها لصالح النظام وبرعاية جهاز أمن الدولة الذى كان له التأثير الأكبر على تلك المؤسسات والشخوص الذين يحكمونها. لم يكن هناك معارضة حقيقية.. فقد تم تدجين أحزاب المعارضة وجعلها حظيرة خلفية للنظام وراجِعوا مواقف تلك الأحزاب كحزب الوفد على سبيل المثال الذى جعله السيد البدوى فرعا لشركاته التى كانت ترعاها أجهزة الدولة الأمنية. فقدم لهم جريدة «الدستور» التى اشتراها بالملايين هدية، وهى الجريدة التى كانت واضحة فى معارضتها لمبارك ونظامه المستبد الفاسد وكانت حائط الصد فى مشروع توريث جمال مبارك، والتى قدمت شخصيات مصرية تستطيع أن تقود البلد وبديلا عن مبارك ونظام ومشروع توريثه فى وقت لم يكن أحد يجرؤ فيه على طرح ذلك.. بل كانوا يروجون لمشروع التوريث بشكل واضح وفج من خلال رعايتهم حملة ترشيح جمال مبارك ومنسقها مجدى الكردى الذى لم يكن أحد يعرف عنه شيئا. فضلا عن موقف تجمع رفعت السعيد الذى كان يحصل على المقابل الفورى بالحفاظ على عضويته بالتعيين فى مجلس الشورى واستخدامه من قِبل صفوت الشريف أمين عام الحزب الوطنى «المنحلّ». وحدث ولا حرج عن الأحزاب الأخرى التى خرجت من رحم مباحث أمن الدولة والتى كان ولاؤها لضباط هذا الجهاز وتعليماتهم.. وكانوا يطلقون عليهم أحزاب المعارضة. وللأسف الشديد تحاول هذه الأحزاب جميعها الانقضاض على الثورة وتحقيق أى مكاسب.. وهى التى كانت بعيدة كل البعد عن الشارع.. وكانت ضد الثورة ولا تزال.. وإنما تبحث عن مصالح شخصية لمن يقودها. وكانت المؤسسات المناوئة لنظام مبارك وسياساته يجرى احتواؤها بكل الطرق، كما جرى مع أهم ثلاث نقابات مهنية.. كان لها دور فى كشف استبداد وطغيان النظام وهى «المحامين» و«الصحفيين» ونادى القضاة. وكما نعلم فقد أتوا بحمدى خليفة ومجموعة من المحامين الذين كان يحركهم أحمد عز ليستولوا على النقابة ويجعلوها فرعا للحزب الوطنى. كذلك الأمر مع نقابة الصحفيين، وأتوا بمكرم محمد أحمد نقيبا ليجعل النقابة مداسا للنظام والحزب الوطنى ويمنع أى مناوشات للمشروع المستقبلى الذى كان يتبناه النظام لتوريث جمال مبارك. نفس الأمر فى القضاة.. فلم يكن نظام مبارك وعصابته يتحمل تيار استقلال القضاء الذى كشف وفضح استبدادية النظام وتزويره الانتخابات حتى إن جرت تحت إشراف قضائى.. وأتوا برجال ممدوح مرعى الذى كان رئيسا للجنة انتخابات مبارك فى عام 2005 على رأس النادى.. بعد أن استطاعوا الإطاحة بعناصر تيار الاستقلال وأجبروهم على البعد عن الحركة سواء بالاستكانة إلى الوضع أو الهجرة للعمل فى الخارج. لم يترك النظام السابق وعصابته أى مؤسسة مناوئة له إلا تدخل فيها بكل ما يملك بالرشاوى أحيانا والترغيب أحيانا أخرى.. وإن لم يحدث فالتهديد والترهيب. فعلوا ذلك مع مؤسسات الدولة.. ونشروا الفساد بين رؤسائها وسهلوا لهم الاستيلاء على المال العام.. وساعدوهم فى تحويل تلك المؤسسات إلى عزب خاصة.. كله من أجل الولاء. لكنهم رغم كل ذلك لم يعملوا حسابا للشعب الذى لم يعد يحتمل ذلك الاستبداد والفساد الذى استشرى فى كل شىء ليخرج مطالبا بإسقاط النظام وجميع مؤسساته. ولم يستطع مبارك وعصابته الصمود أمام قوة وجبروت الشعب.. فسقط فى 18يوما. لكن رؤوس المؤسسات المريضة بفساد النظام واستبداده تحاول الحفاظ على مكاسبها التى حصلت عليها من النظام السابق. فما زالت حتى الآن تحظى بحصانتها.. وبأموالها.. ومكافآتها الرهيبة.. وبالأراضى والفيلات التى حصلت عليها بتراب الفلوس.. ومن ثم تتمسك بكل ما تملك بمناصبها حتى لا يتم كشفها أو فضحها. لقد قال مسؤول كبير ما زال يحتفظ بمنصبه بحصانة حصل عليها من النظام المخلوع رغم مطالب الثوار برحيله إنه على استعداد لتقديم استقالته.. لكنه لا يرضى أن يترك منصبه بناء على طلب شعبى حتى يحافظ على الحصانة لنفسه ولمن يأتى بعده. ولكن فات على هذا الرجل وغيره ممن يتمسكون بمناصبهم أن الشعب أسقط شرعية من عينهم فى تلك المناصب وخلعه.. فسيأتى الدور عليكم إن آجلا أو عاجلا. بقى أن هذا الرجل الذى لا يريد تقديم استقالته بناء على الطلب الشعبى.. كان فى إمكانه أن يكون بطلا عند الشعب.. لو تحرك باستقلالية واستطاع تطهير المؤسسات من بقايا النظام وفلوله الفاسدين.. ولكنه لم يفعل كغيره من القائمين على المؤسسات.. وكذلك الذين يديرون شؤون البلاد. إنهم يجهضون الثورة.. ولكن الشعب لهم بالمرصاد.