كم نحن جاحدون وسخفاء.. لماذا لم نقل له وهو هنا بيننا إنه أحد أهم من قدموا أغانى شعبية فى مصر بعد أحمد عدوية؟ لماذا تركناه حتى ذبل ومات هكذا لنكتب عنه الآن ما لن يقرأه أبدا؟ هل نستغل موقف وفاته؟ ما أقسانا! ملامح حسن الأسمر هى ملامح خراط أو سباك أو نقاش أو ميكانيكى مصرى أصلى، ولما ظهر مطربا، كان تجسيدا لصورة كل هؤلاء يوم الجمعة والأحد من كل أسبوع، حيث الإجازة على الكورنيش مع البنت الحلوة، و«لبس اللى ع الحبل»، والراحة من هم الشغل وضيق الحياة وسخف الأسطى.. هل انتبه أحدكم للغناء الشعبى المصرى بعد أحمد عدوية إلا بعد ظهور حسن الأسمر؟ هل تعلمون أن الغناء الشعبى كان قد وصل إلى قمة انحداره بأغنيات من عينة «كداب يا خيشة» و«إيه الأساتوك ده»، إلى أن ظهر هذا المطرب ذو الملامح الشعبية الأصيلة، وللأسف استهلكتها السينما بمنطقها التجارى البحت فى أفلام الثمانينيات، وأسهمنا جميعا فى إهدار قيمة صوت شعبى مختلف تجاهلناه واستهترنا به! ظهر الأسمر بأغنيات من عينة «الله يسامحك يا زمن» و«يا قلبكم» و«موال السنين» و«سامحتكم» و«طعم الأيام» و«يا ناسيين» و«متشكرين»، وطبعا أيقونته الخالدة «كتاب حياتى يا عين».. أغان بطابع شعبى مبالغ فى عاطفيتها.. تغازل المذاق الشعبى المصرى فى مستوياته الدنيا، لكنها تعبر عنه بصورة مذهلة، وتلك المشاعر لدى أهالينا قليلى الحيلة المغبونين المغدورين فى رزقهم وحياتهم عموما، ليست عارا، ولا يشرف أيا منا التعالى عليها. أعاد حسن الأسمر إذن الاعتبار لأغنيات أصحاب الحرف والمهن الشريفة التى تدر دخلا يوميا متواضعا وشريفا لأصحابها بعرقهم ودون أن يبتذلوا أنفسهم، وإن كان ذوقهم لا يجىء على مزاج النخبة والمثقفين والطبقة المتوسطة المتآكلة، وانهار الأسمر يوم انهارت الحارة المصرية أمام العشوائيات التى تنبت على أطرافنا وأطراف مدننا.. لم نعد نسمع حسن الأسمر فى الميكروباص، بعد أن أصبح سعد الصغير وأمينة حنطور وميار «التعبانة آه يانا» هم نجوم التوك توك.. هل تعرف ما موقف حسن الأسمر من مسيرة الثوار إلى مقر وزارة الدفاع؟ الحقيقة أن موقفه كان مخزيا، ولكنه الآن راقد إلى جوار محمد محسن، آخر شهداء الثورة المصرية بموقعة «العباسية»، وأتمنى أن يسامح شهيد ثورة مصر حسن الأسمر، فالشهداء يتسامحون دوما مع مكسورى الجناح. لا أذكر الآن سوى أن حسن الأسمر أنقذ الغناء الشعبى من كارثة انحدار الذوق الفنى إلى ما هو أسوأ من «إيه الأساتوك ده»، وكم ألوم علينا جميعا إهمالنا له حتى اضطر إلى عمل إعلان تليفزيونى لشركة اتصالات أسهمت فى قتل المصريين من أبناء الطبقة التى غنى لها.