تفرقت السبل بين محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، ومحمد دحلان، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، وقام أبو مازن بفصل دحلان بتهم الفساد المالى، وتشكيل ميليشيات مسلحة للإضرار بالأمن الوطنى الفلسطينى، والتطاول على عباس نفسه! لم يكن هذا هو كل شىء، إذ إن قوات الأمن الفلسطينية هاجمت منذ أيام منزل محمد دحلان، واعتقلت حراسه الخصوصيين، وصادرت الأسلحة والسيارات المصفحة التى كانت بالمنزل، أما دحلان نفسه فقد تمكن من الفرار إلى الأردن، ويقال إنه غادرها إلى القاهرة. عند قراءة أخبار دحلان عادت بى الذاكرة إلى مقال كتبه الأستاذ سيد على بصحيفة «المصرى اليوم» بتاريخ 13 مارس 2008 تحت عنوان: «دحلان فى كل مكان»، استند فيه إلى الاتهامات التى نشرتها مجلة «فانيتى فير» الأمريكية فى ذلك الوقت عن دحلان، وهى اتهامات خطيرة، وَصَمَت الرجل بالغدر والخيانة. كتب سيد على عن «دحلان ورحلة صعوده، والمراحل التى حرقها، والمسافات التى قطعها، والمراتب التى قفزها عبر سلالم وكواليس السلطة والأجهزة، من عنصر صغير فى حركة فتح إلى قائد لجهاز الأمن الوقائى فى غزة، إلى وزير، إلى مستشار، وذلك دون أى دراسات أمنية أو عسكرية، وما يهمنا الآن أن تبرئ مصر ساحتها من هذا الرجل، وأن تمنعه من البرطعة فى القاهرة، وأهيب بأصغر مسؤول مصرى من لقائه، لأن حذاء أى مسؤول أشرف من قامته ومن قامة أى دحلان فى أى زمان ومكان، ويجب لعن الإدارة الأمريكية التى تريد ديمقراطية على مقاسها ومقاس عملائها فى المنطقة». كان مقال سيد على معبرا عن موقف الشارع المصرى وضيقه من زيارات دحلان المتتابعة للقاهرة، واحتفاء نظام مبارك به، وتعاون عمر سليمان معه فى التآمر على الشعب الفلسطينى. توقعت بعد هذا المقال أن أقرأ ردا يبعث به دحلان للجريدة، أو يبعث به السفير الفلسطينى أو مسؤول من حركة فتح، أو حتى ردا من الحكومة المصرية التى تتعاون مع دحلان، وتشاركه الخيانة والعمالة، ويهمها تبييض صفحته، وإبراء ذمته، وتبرير جرائمه. لكن المفاجأة أن الرد الذى دافع بحرارة عن دحلان، ورفعه إلى مصاف الأنبياء، جاء من شخص لم يتوقع أحد منه هذا على الإطلاق، جاء من نجيب ساويرس، رجل الأعمال المصرى، الذى لم يخطر ببالنا أنه كرجل اقتصاد قد سمع باسم دحلان من الأساس!.. كتب ساويرس بنفسه مقالا نشرته «المصرى اليوم» بتاريخ 19 مارس 2008، ردا على مقال سيد على تحت عنوان: «دحلان.. صديقى الذى أعرفه»، قال فيه: «حيث إننى أعرف دحلان معرفة شخصية جيدة منذ أكثر من 10 أعوام، فاسمحوا لى أن أعبر عن استيائى لما ورد فى المقال من هجوم على شخص محمد دحلان.. تجاهل المقال تاريخ ووطنية محمد دحلان ومعاناته سنوات طويلة فى ظلمة سجون الاحتلال، تعرض فيها لأشد وأقصى درجات التنكيل والتعذيب والحرمان بشهادة الجميع، لذا فإن الاستشهاد بما يرد فى الصحف الأمريكية التى يقف وراءها مجموعة من الأمريكان غير الراضين عن شعبية وصعود دحلان وترديد مزاعمها المسمومة، دونما سند أو دليل، هو مزايدة رخيصة على انتماء ووطنية محمد دحلان». كان هذا ما كتبه ساويرس دفاعا عن صديقه دحلان، وهو رجل البزنس الذى لم يسبق له كتابة مقالات، ولا عرف عنه اهتمامه بالشأن الفلسطينى وخريطته المعقدة.. واليوم وقد تم طرد دحلان من حركة فتح، واتهمه رفاقه بالفساد والسرقة والخيانة، وبعد أن فر هاربا من رام الله، فإننا ننتظر رأى ساويرس فيما حدث لرمز الوطنية والشرف والكفاح المسلح.. صفيّه وخليله محمد دحلان!