لو طلبت منى أن أكثف فى جملة واحدة ما يجرى على الساحة من توتر كان مكتوما فصار معلنا بين الشعب والمجلس الأعلى للقوات المسلحة. سوف أقول لك وعلى طريقة هاملت فى رائعة وليم شكسبير.. «أكون أو لا أكون تلك هى المشكلة»، إنها تكمن فى الصفة التى تطلق على مبارك الآن، هل هو مخلوع أم سابق؟.. تلك هى المشكلة.. الشعب بأغلبية طوائفه تطلق عليه مخلوعا، والمجلس الأعلى يعتبره سابقا.. هناك فارق بين إرادة الناس وإرادة مبارك.. الناس هى التى نعتته بالمخلوع، لأنه لم يترك السلطة طواعية، ولا فى ظرف ديمقراطى أجريت فيه انتخابات ولم ينجح أو لم يترشح، ولهذا يستحق أن يصبح سابقا.. كان يماطل حتى اللحظة الأخيرة لكى يتجنب تلك الصفة أسقطته الجماهير فصار مخلوعا بالثلاثة. لم يتخيل رئيس آخر غيره، وهو على قيد الحياة، سوى ابنه ليحكم البلاد طبقا لسيناريو كان متفقا عليه فى لحظة، ثم أرجئ قليلا، وهو الخروج الآمن للرئيس والدخول الأكثر أمانا لجمال، ليحتفظ فى الذاكرة الجماعية بأنه الرئيس الأب الذى يملك ولا يحكم، يصبح رئيسا شرفيا لمصر، ويتولى جمال الرئاسة الفعلية، تلك هى المكانة التى كان من الممكن أن يرتضيها فقط، من أجل ابنه وإرضاء لزوجته.. الشعب الذى راهنوا على صبره وصمته فاض به الكيل، فاشتعلت الثورة، والجيش المصرى أيد مبكرا مطالب الشعب المشروعة، ولكن الجيش يريد لمبارك خروجا مشرفا، والناس تريد العدالة ولا شيئا آخر.. العدالة ليست انتقاما من أحد، القصاص العادل هو حياة أخرى. عندما تراجع أقوال محامى مبارك، لن تجد سوى كلمات خارجة عن منطق العدالة، إنها تحمل فقط استعطافا من أجل أن يسامحه المجتمع، رجل كبير يصاب بغيبوبة بين الحين والآخر، وكان قائدا للقوات الجوية، وصاحب الضربة الجوية، تلك هى الأسانيد التى يرددها محامى مبارك، وهى لا تختلف كثيرا عما ردده القذافى مؤخرا عن مبارك، وإن كان قد أضاف أنه كان يضع الشعب المصرى على كتفيه ويشحت منه ومن السعودية.. إنها حجج فى النهاية تسعى إلى مخاطبة المشاعر بالعفو والتسامح.. عندما قرر المخلوع البقاء، وأكد أنه سيموت على أرض مصر لم يكن بطلا، بل كان يفكر فى النجاة الجسدية والمعنوية، كيف يكسب أرضا لو أنه غادر البلاد، فلن يحصل على شىء.. كانت لديه ثقة أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة سوف يبقى عليه فى مكانة لا تمس.. إلا أن السؤال هو كيف تستقيم إذن العدالة؟.. الناس تريد أن ترى القصاص يتحقق بين جميع من اغتصبوا مصر، شاهدوا صفوت وزكريا وجمال وعلاء وعز والعادلى وسرور فى طرة، هم يريدون أيضا حتى ينضبط إيقاع العدالة أن نبدأ بالمغتصب الأصلى لمصر! المخلوع هى الصفة التى تضع الحقيقة فى ردائها اللفظى الحقيقى، بينما السابق من البداية تلغى فكرة أن هناك ثورة قد اشتعلت فى ربوع مصر، هذا هو ما ينبغى لنا أن نتوقف عنده.. المجلس الأعلى للقوات المسلحة لا يرحب رسميا بأن يطلق عليه الإعلام الرسمى تلك الصفة، والصحف القومية من خلال الكتابات التى يوقعها المسؤولون على التحرير حريصة على إرضاء المجلس! إنه فارق مهم وحيوى بين ثورة أطاحت به، فصار مخلوعا أو مشى طواعية، فيستحق أن يصبح سابقا.. مسافة شاسعة بين الشعب والمجلس الأعلى للقوات المسلحة... الشعب يرى الحقيقة.. المجلس يرى الحقيقة ويضيف إليها أشياء أخرى، وتلك هى المشكلة!