نابليون هو أول مستعمر يلجأ إلى استخدام عبارات تداعب مشاعر المصريين دينيا.. كما يتضح من صيغة بيانه الأول الصادر للأهالي باللغة العربية الذي كتبه أمثال فانتور ومارسيل «أوليس حقا أنه قد جاء في كتبكم أن كائنا أرقى سوف يصل من الغرب مكلفا بمواصلة عمل النبي؟ أوليس حقا أنه جاء فيها أيضا أن هذا الرجل، هذا الوكيل لمحمد، هو أنا؟».. كلمات ألقاها نابليون بونابرت أمام مشايخ ديوان القاهرة عام 1799 تبرز استراتيجية فكرية استثنائية اعتنقها قائد فرنسي شاب جاء من أوروبا يحلم بتأسيس إمبراطورية في الشرق، فعاد إلى بلده خالي الوفاض، إذ توصف فترة الحملة الفرنسية على مصر بقيادة بونابرت «1798-1801» بأنها فترة تحول في تاريخ مصر الحديث لكونها المرة الأولى التي تخضع فيها مصر لإدارة غير مسلمة منذ دخول العرب المسلمين أرضها. نابليون كان على خلفية منذ اللحظة الأولى أنه سيواجه هو وجيشه عقبات عند نزوله مصر، ولكن ثقته بأن تخطيطه لترويج فكرة إسلامه ونصرة الدين كفيل بأن يحد من تلك العقبات بعد أن ظلت قائمة على مدى قرون. بطل من أبطال الإسلام المصريون اعتبروا حملة بونابرت محاولة جديدة من الغرب للقضاء على الإسلام، أو قرصنة جديدة نابليون كان على خلفية منذ اللحظة الأولى أنه سيواجه هو وجيشه عقبات عند نزوله مصر، ولكن ثقته بأن تخطيطه لترويج فكرة إسلامه ونصرة الدين كفيل بأن يحد من تلك العقبات بعد أن ظلت قائمة على مدى قرون. بطل من أبطال الإسلام المصريون اعتبروا حملة بونابرت محاولة جديدة من الغرب للقضاء على الإسلام، أو قرصنة جديدة على الشرق الأوسط، مثلما فعل قبله «جان دو بريين»، في حملته الصليبية الخامسة على مصر عام 1221، ولويس التاسع في حملته الصليبية السابعة عام 1249، وفقًا لما ذكرته الbbc. قبل وصول سفنه الحربية على شواطئ الإسكندرية تقدم صفوف جيشه ملقبًا نفسه «حاميا للإسلام، وبطلا من أبطاله»، إذ وصفه الجنرال الفرنسي برتران، أحد أبرز قادة الحملة الفرنسية: «إن أصعب السياسات تلك التي اعتبرت الدين عقبة أساسية أمام استقرار السلطات الفرنسية، فقد كتب فولنيه (مستشرق فرنسي) عام 1788 قائلا لكي تستقر في مصر لا بد من شن ثلاثة حروب: الأولى ضد إنجلترا، والثانية ضد الباب العالي (السلطة الحاكمة للدولة العثمانية)، والثالثة، وهي أصعبهم جميعا، ضد المسلمين الذين يشكلون غالبية شعب هذا البلد». كان قد عُثر من بين كتب الشاب بونابرت، قبل أن يتحسس قدره الذي سيقوده إلى مصر فيما بعد، على ما يؤكد اهتمامه بقراءة تاريخ العرب وسيرة حياة النبي محمد، لا سيما ملخص لتاريخ العرب كتبه الأب ماريني، وهو مخطوط طبع مع غيره من ملاحظات عن تاريخ مصر، كتبه فريدريك ماسون تحت عنوان "نابليون المجهول" عام 1895، ألهم بونابرت في سن الشباب عام 1789 فكتب قصة بعنوان "قناع الرسول". أسرار كتاب وصف مصر وفي دراسة بعنوان «السياسة الإسلامية لبونابرت»، يقول المؤرخ الفرنسي فرانسوا شارل-رو «إن محمدا يثير إعجابه كمؤسس ديني وقائد لشعوب ومشرّع. إن التاريخ ومذهب النبي كانا قد أثارا اهتمامه منذ زمن بعيد، وقبل حتى أن يعرف أن قدره سيقوده إلى مصر بدأ يدرس تاريخ العرب، وقرأ القرآن وكان يحتفظ بنسخة منه في مكتبه أيام الحملة إلى جانب العديد من الكتب الدينية، قائلًا: الإسلام يستحوذ على خياله من قبل أيام الحملة على مصر، وازداد كثافة أثناءها وبعدها. وكم عاد بذاكرته في أثناء اعتقاله إلى العالم الإسلامي، ومن بين تلك الأحاديث التي أملاها في سانت هيلين منفاه، توجد بضع صفحات هي الأكثر موضوعية وتعاطفا بين كل ما كُتب عن الإسلام في إحدى لغات الغرب». بونابرت، كان حريصًا في تصريحاته وأفعاله منذ أول يوم وصل فيه مصر، على أن يرسخ فكرة المدافع الذي لم يأت لهدم دين الإسلام واضطهاد المسلمين، فضلًا عن إشارته في أكثر من موضوع إلى احترامه لله ونبي الإسلام والقرآن، كما أعلن انضمامه للإسلام زاعما أنه وجنوده مسلمون مخلصون. عبادة الله ويعد بونابرت أول مستعمر يستخدم عبارات دينية لمداعبة مشاعر المصريين، كما اتضح من بيانه الأول الصادر للأهالي باللغة العربية، الذي كتبه مستشرقون أمثال فانتور ومارسيل، يجهل الفرنسيون في صفوف جيشه فحواه بل يغاير أحيانا نسخة البيان الفرنسي. بدأ بونابرت بيانه الأول الذي أورده المؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي: «باسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله، لا ولد له، ولا شريك له في الملك، من طرف الفرنساوية المبني على أساس الحرية والتسوية، السر عسكر الكبير أمير الجيوش الفرنساوية بونابرته، يُعّرف أهالي مصر جميعهم... قد قيل لكم إنني ما نزلت بهذا الطرف إلا بقصد إزالة دينكم، فذلك كذب صريح، فلا تصدقوه، وقولوا للمفترين إنني ما قدمت إليكم إلا لأخلص حقكم من يد الظالمين، وإنني أكثر من المماليك أعبد الله سبحانه وتعالى، وأحترم نبيه والقرآن العظيم». وأضاف بونابرت: "أيها المشايخ والقضاة، قولوا لأمتكم إن الفرنساوية هم أيضا مسلمون مخلصون، وإثبات ذلك أنهم قد نزلوا في رومية الكبرى وخربوا فيها كرسي البابا الذي دائما يحث النصارى على محاربة الإسلام، طوبى ثم طوبى لأهالي مصر الذين يتفقون معنا بلا تأخير فيُصلح مالهم وتُعلى مراتبهم، طوبى أيضا للذين يقعدون في مساكنهم غير مائلين لأحد من الفريقين المتحاربين، لكن الويل كل الويل للذين يعتمدون على المماليك في محاربتنا، فلا يجدون بعد ذلك طريقا إلى الخلاص ولا يبقى منهم أثر". سياسة الاحتفالات بدأ بونابرت تنفيذ وعوده مغتنما فرصة سياسة الاحتفالات ليجتذب بها قلوب المصريين ويعلن نفسه أمام العالم الإسلامي أنه صديق الإسلام والمسلمين، ومنها احتفاله بالمولد النبوي وتنصيب أمير للحج، مصطفى بك كتخدا، في أول سبتمبر 1798، كما كتب إلى شريف مكة يعده بإرسال أوقاف الحرمين الشريفين، ليدعم صورته كصديق للإسلام. علم بونابرت من مشايخ الأزهر أنهم لا يعتزمون إقامة الاحتفال السنوي بالمولد النبوي، ففطن إلى أن السبب ربما احتجاج معنوي على وجوده في مصر، وتعلل المشايخ بعدم توافر الأموال اللازمة، فاغتنم الفرصة لتعزيز صورته كصديق للإسلام وأعطاهم المبالغ الضرورية لإقامة الاحتفال. شارك الجيش الفرنسي في الاحتفال بالمولد النبوي وقدم عروضا عسكرية وحفلات موسيقية وأطلق ألعابا نارية، كما نصّب بونابرت في هذه المناسبة الشيخ البكري نقيبا للأشراف في مصر لكسب التأييد المحلي لسياسته. دأب القائد الفرنسي على مجالسة علماء الدين ومشايخ الأزهر يسألهم عن الدين الإسلامي، ساعيا إلى تصوير نفسه "المهدي المنتظر" للمسلمين، بل أعلن ذلك صراحة لسكان القاهرة في أعقاب الثورة الأولى ضده في بيان صدر بتاريخ 21 ديسمبر 1798 بمناسبة إعادة فتح ديوان المشايخ، الذي أسسه كهيئة استشارية محلية، وبعد حادثة اقتحام الجامع الأزهر لإخماد الثورة وضربه بالمدفعية. الختان وشرب الخمر بعد هزيمة بونابرت في حصار عكا عاد إلى القاهرة وسعى إلى استصدار فتوى دينية "تأمر الشعب بأن يؤدي له قسم الولاء"، وهو طلب أحرج المشايخ وكان بمثابة اختبار منه لمدى ولائهم له، لكن سرعان ما وجد العلماء مخرجا وبادروه يسألونه لماذا لا يعلن إسلامه وجيشه طالما يقر بإعجابه بنبي الإسلام، ويعزو نجاحاته إلى حماية الله له؟ يقول الجنرال برتران إن بونابرت قرر المخادعة وقال "هناك افتراضان يعترضان إمكانية اعتناقه هو وجيشه الإسلام وهما: الختان وتحريم شرب الخمر". والأهم من ذلك أنه قبل أن يصل إلى عملية الاعتناق هذه، يجب أن تُمنح فرق الجيش الوقت الكافي للتعرف على عقائد الإسلام وممارساته وأنهم بحاجة إلى عامين لتحقيق ذلك. أسرار مسلة مصرية بباريس هرب بونابرت إلى فرنسا في جنح الليل في 23 أغسطس 1799 وترك رسالة بالغة الأهمية لقائده كليبر يوصيه فيها: إن من يكسب ثقة كبار مشايخ القاهرة يضمن ثقة الشعب المصري، وليس بين رؤساء الشعب من هم أقل خطرا من مشايخه، لأنهم قوم هيابون لم يألفوا خوض غمار القتال، على أنهم رمز للتعصب ولو أنهم ليسوا متعصبين، فهم من هذه الوجهة يشبهون القسس. غادر بونابرت الشرق دون أن يستولي على مصر، ولم تخضع له، وترك البحر المتوسط في يد إنجلترا بعد تحطم أسطوله البحري في معركة أبو قير في الثاني من أغسطس 1798، كما لم تتمكن جيوشه من القضاء على المماليك، ولم تُسحق المقاومة المصرية. اقرأ أيضًا: الإمبراطورة الفاتنة| أوجيني.. أحبها خديو مصر وتزوجها نابليون بونابرت عضو المجمع العلمي: نابليون كان قريبا من دخول الإسلام