لم يكتف الاحتلال الإسرائيلي بقتل الشعب الفلسطيني بدم بارد، بل اتجه إلى بلورة استباحة هذه الدماء في إطار قانوني لممارسة جرائمهم بشكل شرعي، في محاولة لتضليل الرأي العام الدولي والقيام بسفك دماء المزيد من الضحايا العزل، من خلال مبررات غير مقنعة. وتبرر إسرائيل قتل الفلسطينيين بالقول إنها تدافع عن حدودها خشية تسلل جماعي، وتتهم حركة حماس التي خاضت معها ثلاثة حروب منذ عام 2008 بالسعي إلى استخدام الاحتجاجات غطاء لتنفيذ هجمات. قتل باسم القانون تأتي شرعنة الاحتلال لجرائم القتل ضد الفلسطينيين، بعد أن أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارا أيّدت فيه استخدام الجيش القوة الفتاكة ضد المتظاهرين الفلسطينيين في غزة. ورفضت المحكمة التماسين قدمهما عدد من المراكز والمنظمات الحقوقية الفلسطينية والإسرائيلية لمنع جنود جيش الاحتلال من إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين العزل في غزة. المحكمة قالت في حكمها الواقع في 41 صفحة، والصادر بإجماع قضاتها الثلاثة، رفضت المحكمة التماسا تقدّمت به في إبريل منظمات حقوقية إسرائيلية وفلسطينية وتطالب فيه بإجبار الجيش على التوقف عن إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين الفلسطينيين على الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل. وقالت رئيسة المحكمة إستير حيوت، إن المحكمة أيدت موقف الحكومة القائل إن المحتجين على الحدود بين إسرائيل وغزة ليسوا متظاهرين سلميين، بل هم أطراف في "نزاع مسلح" بين دولة الاحتلال وحركة حماس التي تسيطر على القطاع، حسب "فرانس برس". مركز "عدالة" الحقوقي ذكر في بيان له أن المحكمة تبنت ادعاءات جيش الاحتلال بالكامل، مدعية أن الجنود أطلقوا الرصاص الحي على المتظاهرين بشكل قانوني، وأن المتظاهرين شكلوا خطرا جديا على جنود الاحتلال، مشيرا إلى أن المتظاهرين كانوا عزلا وبعيدين عدة مئات من الأمتار عن الحدود. وأكد كل من مركز "عدالة" ومركز "الميزان" أن المحكمة تجاهلت الأدلة التي قدمت ضمن الالتماس، والتي شملت شهادات جرحى وتقارير منظمات دولية وثقت القتل وإصابة المدنيين في غزة، ورفضت المحكمة الاطلاع على المقاطع المصورة التي توثق بعض حالات إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين العزل، وتبنت رواية جيش الاحتلال الإسرائيلي دون فحص أو تدقيق. وأكد المركزان أن هذا القرار يتعامل مع المتظاهرين كمصدر خطر على حياة سكان إسرائيل وجنودها، الأمر الذي يشرعن إطلاق النار عليهم، حسب قرار المحكمة العليا. وقتل الجنود الإسرائيليون منذ بدء المظاهرات السلمية في 30 مارس حتى اليوم 115 مدنيا فلسطينيا، بينهم 15 طفلا. تشجيع على القتل حركة "الأحرار" في قطاع غزة أشارت إلى أن رفض المحكمة الإسرائيلية التماسا قُدم لمنع إطلاق الجيش الرصاص الحي على المتظاهرين العزل يمثل شرعنة وتشجيعا على القتل. وأكدت الحركة في بيان لها أن هذه الجريمة تكشف مدى ارتباط كل مؤسسات الاحتلال بالمؤسسة الأمنية والعسكرية، وأن ادعاء مسمى محكمة باطل وتزييف وتضليل للرأي العام الدولي، حسب "أمد للإعلام". ودعت الحركة كل المؤسسات الحقوقية والإنسانية الفلسطينية والعربية والدولية للعمل على فضح جرائم الاحتلال بكل الأشكال وعلى كل المستويات، والضغط لتقديم دعاوى قضائية ضد قادته وجنوده على جرائمهم بحق شعبنا والمتظاهرين السلميين على حدود غزة. إعدام الأسرى وخلال يناير الماضي صادق الكنيست الإسرائيلي بالقراءة التمهيدية على قانون إعدام منفذي العمليات، حيث أيد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو هذا القانون، قائلاً: "إنه سيتم تفعيله في حالات استثنائية متطرفة"، وفق زعمه. وتضغط حكومة الاحتلال من أجل سن قانون يتيح للمحاكم العسكرية إعدام الشبان الفلسطينيين من سكان الضفة المحتلة في حال أدينوا بتنفيذ عمليات ضد الجيش والمستوطنين. وينص مشروع القانون على أنه في حال إدانة منفذ عملية فلسطيني من سكان الضفة بالقتل، فإنه يكون بإمكان وزير الجيش أن يمنح المحكمة العسكرية صلاحية فرض عقوبة الإعدام، وألا يكون ذلك مشروطا بقرار بإجماع القضاة وإنما بأغلبية عادية فقط، من دون وجود إمكانية لتخفيف قرار الحكم، حسب "قدس برس". من جانبه يرى المختص في الشأن الإسرائيلي محمود مرداوي، أن قانون إعدام منفذي العمليات الذي تحاول حكومة الاحتلال سنه، لن يردع الفلسطينيين ولن يقف عائقًا أمامهم في تنفيذ العمليات ضد أهداف للجيش والمستوطنين. أما الاتحاد الأوروبي فأعرب عن إدانته لمصادقة برلمان الاحتلال على "قانون الإعدام" بحق فلسطينيين أدينوا بتنفيذ عمليات ضد أهداف للاحتلال، ووصفت سفارة الاتحاد الأوروبي لدى إسرائيل هذه الخطوة بأنها تتعارض مع الكرامة الإنسانية. المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يؤكد أن تلك المشاريع المكررة ليست إلا محاولة لإضفاء الشرعية لحالة قائمة، وهي سياسة الاغتيالات والتصفية الميدانية، والتي تنفذ بأوامر مباشرة من أعلى سلطات اتخاذ القرار في جيش الاحتلال ضد الفلسطينيين في الأرض المحتلة. ونجد أن المركز رصد العديد من التصريحات التي أكدت استخدام الاغتيالات والقوة القاتلة في التعامل مع أي خطر يتهدد جنود الاحتلال، كما رصد المركز ووسائل الإعلام الكثير من مشاهد الإعدام الميداني والاغتيالات، التي تؤكد وبلا شك وجود سياسة إعدامات ميدانية يتم ممارستها من قبل الاحتلال. وفي النهاية نجد أن دولة الاحتلال تواصل سياستها القمعية ضد الشعب الفلسطيني من خلال العديد من الأدوات المختلفة التي تتفنن في إصدارها، أبرزها مسلسل "قوانين الموت" التي تصدرها ضد الفلسطينيين لتبرير جرائمها، حيث يريد الاحتلال تسويق نفسه أمام العالم على أنه يعمل وفق القانون ويلتزم بالأنظمة العالمية وحقوق الإنسان في الوقت الذي يعتبر بعيدا كل البعد عن تلك الحقوق.