يبدو الإعلان مفارقا، كيف يمكن أن يكون هذا المقطع المصور والمنشور عبر موقع "يوتيوب" تعريفا برواية، رواية مطبوعة؟ لكن مجرد تذكر ما جرى يجيز التعاطي مع مثل هذا المتغير، فما الذى لم يتغير، أنواع وأشكال التعبير الفني والجمالي لا بد أن تتصدع مما جرى؟ الإعلان المصور ليس دعاية، إنه جزء أصيل مع عالم رواية "عصبة السر- دفتر الموسيقى والثورة"، أولى روايات الشاعر أحمد أبو الحسن، الصادرة مؤخرًا عن دار "ميريت للنشر والمعلومات"، أبو الحسن قال ل"التحرير"، إن الرواية بها أكثر من خط؛ دفتر للموسيقى ودفتر للثورة، وبطل الرواية غير قادر على الانسجام مع واقعه، وكان يعمل كاتبا، ويكتب بالصحف في نهاية عصر مبارك، لكنه قرر أن يتخلص من عمله في الصحف؛ التي تبدو معارضة، وهي في الحقيقة تابعة للدولة، أو يصرف عليها رجال أعمال أصحاب مصالح. وأضاف: "بطل الرواية قرر أن يستعيد استرساله بالبحث عن تمرين روحي، وخلال هذه الرحلة تقوم الثورة بشكل غير متوقع، ويبدأ واقعه يتغير ونظرته ينتابها بعض الرومانسية؛ مثل أي شخص وقت وقوع الثورة، بأن الغد سيكون أفضل، لكن بعد ذلك تبدأ صراعات الكاتب مع واقعه الجديد المليء بالحروب النفسية والصرع على السلطة بين أكثر من طرف، والمشاكل التي تفرزها هذه الصراعات، وتأثيرها على الناس ومشاكلهم الحياتية". وتابع أبو الحسن: كل هذا يؤثر على الكاتب حتى تظهر شخصية "المعلم الأعظم" الذي يساعد الكاتب ويأخذ بيده، فيعيد ترتيب الواقع بعيدا عن الموسيقى ورومانسية الثورة، ويقوم الكاتب كذلك بتدوين ما يطرأ عليه من تغيرات حياتية في هذين الدفترين لتكون مرجعا لكل من يعيش في مصر قبل الثورة ووقتها وبعد حدوثها. الرواية، إذن، تحكي عن كاتب لم يستطع الانسجام مع واقعه، وانقطع استرساله لأعوام، فقرر أن يتعلم العزف على آلة الجيتار ليستعيد خياله، الذى ضيعته كتابة "النميمة فى الصحف الرخيصة"، لكنه يكتشف أن تعلم العزف بالطريقة التى يستهدف بها الاسترسال القوي، تتطلب تفرغا وانقطاعا كاملين عن ماضيه، مما يضطره إلى حمل ذاكرته الريفية وأصوات معلميه وأستاذته الذى صادفهم منذ صغره؛ وهو يدون فى دفاتر الموسيقى كل ما يطرأ علي عقله وروحه من تغيرات جسدية ونفسية يفرضها تعلم العزف -كتشقق أصابعه من "عفق الأوتار" وغزارة الخيال وطول الارتجال- فى حضور عصبة من أصدقاء؛ يمدونه بتمارين لأصابعه تعينه على التعلم بسرعة، وتحقيق ما كان يرجوه من النغم: ليل "عازف الجيتارة"، وشمس "عازف العود" والتنين "عازف الناي"، كل يوم يجتمعون فى بيت الكاتب، يحاولون القبض على ترياق روحي، يحفظ لهم القدرة على مد الارتجال والعزف لفترة طويلة. تداوم "العصبة" على استدعاء إلهامات في النغم والشعر ما كانت تجيء لولا جلساتهم اليومية الممتلئة بالعزف والارتجالات الموسيقية، التي تغذيها مناقشاتهم فى كل ما يعيشونه من واقع أو خيال في النغم، حتى تقع ثورة 25 يناير بشكل لا تتوقعه "العصبة"، كما لم يكن يتوقعه الآخرون، فتبدأ الرواية في سرد "دفتر الثورة"، تفتحه بمتن مختصر لكل الأحاسيس التى طرأت على كل من شهد ذلك الحدث المهيب بحروبه النفسية، التي ذاق المجتمع منها كل الألوان على مدار 3 أعوام متتالية، وهو أمر أثر فى مجريات أحداث الرواية وفرق العصبة وشتت جلساتها التى كانت تبحث فى أسرار الإلهام والتأليف، ليلقى الكاتب مصيرا تتالى حوله الأحداث بمختلف متغيراتها، التى جرت فى الأعوام الخمسة الماضية، إلى أن يلتقى بطل الرواية بشخصية فانتازية "المعلم الأعظم" أفضل موسيقي العصر، ويلتصق به ويقيم معه الكاتب بعد أن يواجه مشكلات مادية بسبب انقطاعه عن العمل والتفرغ لتعلم العزف، حينها يبدأ "المعلم الأعظم" فى تفكيك كل الرؤى والأحكام الرومانسية، التى اكتسبها الكاتب من جلسات عصبته التي ضاعت، ويستعيد على يد أستاذه واقعه واسترساله الذي ضاع منه فى أول الرواية. الرواية تعد شهادة حية على السنوات السبع المنصرمة، إذ يمتد بطولها خطوط ثابتة، تحكي عن الصحافة والأحزاب السياسية وكل الأحداث التى سبقت ثورة يناير، كما تتضمن نحو 20 قصيدة نثر وموزونة ألفها خيال بطل الرواية من إيقاعات جديدة كلها مستمدة من مقطوعات موسيقية، كانت تعزفها العصبة متأثرة بالانتصارات والإحباطات، التي طرأت على الواقع المصري خلال السنوات الماضية.