مع استرار موجات النزوح من إقليم "أراكان"، الذي تسكنه أقلية الروهينجا المسلمة غربي ميانمار، حيث غادر الآلاف منازلهم نتيجة العنف المتواصل من قبل الجماعات البوذية المتطرفة، تزايدت الأصوات المنتقدة لرئيسة ميانمار سان سوتشي، التي حصلت على جائزة نوبل للسلام عام 1991، بسبب صمتها على تلك الانتهاكات التي وصفها البعض ب"الإبادة الجماعية لمسلمي الروهينجا". فمن هي سوتشي التي كانت تعتبر رمزا للنضال من أجل الحرية والعدل. "أونج سان سوتشي" زعيمة حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، والذي فاز بالأغلبية في أول انتخابات في ميانمار منذ 25 عامًا، في 2015، بعد خمس سنوات من السماح لها من مغادرة منزلها بعد 15 عامًا من وضعها تحت الإقامة الجبرية. وتشغل سوتشي البالغة من العمر 70 عامًا، منصب مستشارة الدولة بعد أن حرمها الدستور من تولى منصب رئيس البلاد، بسبب حصول أبنائها على جنسيات أجنبية، إلا أنه ينظر إليها القائد الفعلي للبلاد. ولدت أونج سان سوتشي في 1945، قبل عامين فقط من اغتيال والدها الجنرال أونج سان بطل استقلال ميانمار، وفي 1960 غادرت للهند، وبعدها بأربع سنوات سافرت إلى بريطانيا للدراسة في جامعة أوكسفورد، حيث درست الفلسفة والعلوم السياسية والاقتصادية، والتقت بزوجها مايكل أريسن واستقرت هناك لرعاية أبنائها. وفي 1988 عادت لميانمار لرعاية والدتها المريضة، في الوقت الذي كانت تمر فيه البلاد بأزمة سياسية طاحنة، حيث نظم الآلاف من الطلاب والعمال مظاهرات للمطالبة بإصلاحات ديمقراطية. وفي 26 أغسطس 1988 قالت سوتشي في خطبة لها في رانجون عاصمة ميانمار "كأبنة لمناضل عظيم، لا يمكن أن أكون بمنأى عما يحدث في البلاد الآن"، لتصبح قائد للمظاهرات المعارضة للديكتاتور "ني وين". ودعت سوتشي لتنظيم مظاهرات سلمية للمطالبة بتطبيق إصلاحات ديمقراطية، متأثرة بالحركات السلمية التي قادها مارتن لوثر كينج في الولاياتالمتحدة والمهاتما غاندي في الهند، إلا أن الجيش قمع تلك المظاهرات بقسوة وسيطر على السلطة في البلاد بعد انقلاب عسكري في أغسطس 1988، وأمر بوضعها قيد الإقامة الجبرية في منزلها. وحصدت سوتشي على جائزة نوبل للسلام عام 1991، حيث وصفتها لجنة الجائزة ب"المثال الحي لقوة الضعفاء". وظلت تحت الإقامة الجبرية لمدة 6 سنوات، حتى أطلق سراحها في 1995، لتوضع مرة أخرى تحت الإقامة الجبرية بعد أن حاولت تحدي حظر السفر في عام 2000، ليطلق سراحها في 2002. وفي 2003 اعتقلت على خلفية مناوشات وقعت بين أنصارها وأفراد مؤيدين للنظام، إلا أنه أفرج عنها بعدها، ووضعت مرة أخرى قيد الإقامة الجبرية في منزلها. وفي 2010 منعت السلطات في ميانمار، سوتشي وحزبها من خوض أول انتخابات منذ عقدين، إلا أنها أطلقت سراحها بعد ست سنوات من الإقامة الجبرية. وفي 2012 تمكن حزبها من حصد 43 مقعدا في البرلمان من إجمالي 45 في انتخابات تكميلية لعدد من مقاعد البرلمان الخالية. وفي الانتخابات التي أجريت في 2015 تمكن حزبها من حصد أغلبية الثلثين من مقاعد البرلمان اللازمة لتشكيل الحكومة. وعلى الرغم من النظر إليها كمنارة للديمقراطية في البلاد التي عانت كثيرًا من الحكم العسكري، إلا أنها تعرضت للعديد من الانتقادات الدولية بسبب طريقة تعاملها مع المسلمين الروهينجا، والحملة الدموية التي تشن ضدهم. حيث أعلن الجيش عن مقتل نحو 400 معظمهم من المتمردين، إلا أن عدد من المراقبين والجمعيات الحقوقية، اتهم الجيش بشن حملات دموية للثأر من المدنيين، حيث أشار مسؤول بالأمم المتحدة أنه من المرجح وقوع جرائم ضد الإنسانية ضد مسلمي ميانمار. الأمر الذي دفع نحو 123 ألف من اللاجئين الروهينجا للفرار إلى بنجلاديش منذ 25 أغسطس الماضي، وفقًا لبيانات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. ولم تدلي سوتشي بأية تصريحات منذ بدء الاشتباكات في 25 أغسطس الماضي، حيث أشارت عدد من التقارير إلى أنها تخشى أن يتم استغلال أي من تصريحاتها ضدها في الانتخابات المقبلة. ومنذ تولي حزبها السلطة كان موقفها من الأقليات في ميانمار واضحًا، ففي 2013 رفضت خلال لقاء مع شبكة "بي بي سي" توصيف العنف تجاه الروهينجا ب"الإبادة العرقية". وأضافت في اللقاء الصحفي "إن على العالم أن يفهم أنه ليس المسلمين فقط من يشعرون بالخوف من العنف المتنامي، ولكن البوذيون أيضًا يشعرون بالخوف".