في مثل هذا اليوم السادس عشر من شهر رمضان المُبارك سنة 58 هجرية، الموافق الثاني عشر من شهر يوليو للعام الميلادي 678، توفيت السيد عائشة أم المؤمنين «رضي الله عنها» زوجة النبي مُحَمّد -عليه الصلاة والسلام- بعد انتقال الرسول الكريم إلى الرفيق الأعلى بسبعة وأربعين عاماً، ودُفنت في البقيع بالمدينة المنورة، وكان عمرها آنذاك 67 عامًا. كانت السيّدة عائشة، ولقبها الصدّيقة، و«أم المؤمنين»، و«حبيبة رسول الله»، و«حبيبة المُصطفى»، والتي كان كثيرًا ما ناداها النبي ب«بنت الصديق»، من أحبّ الناس إلى رسول الله، وكان الصحابة أجمعين قد علموا حبه إياها وأقروا لها بذلك، فإذا كانت عند أحدهم هدية يُريد أن يهديها إلى رسول الله، كانوا يتحرّون يوم عائشة، الأمر الذي أثار غيرة أمهات المؤمنين، ووقعت الغيرة التي لا محيص منها بين الزوجات. ولدت أعلم النساء المسلمات في السنة الرابعة لبعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم في بيت أشرق بأنوار الإسلام مبكرًا، فلم تعقل أبويها أبو بكر الصديق -أول من أسلم من الرجال- وأم رومان بنت عامر الكنانية التي قال فيها الرسول الكريم من أحب أن ينظر إلى امرأة من الحور العين، فلينظر إلى أم رومان. وتزوجها الرسول بعد الهجرة في العام الثاني لها فكانت أحب الناس إلى قلب المصطفى، وكان أبوها أحب الرجال إلى الحبيب، وكانت البكر الوحيدة بين زوجاته، فاستحوذت على مكانة خاصة في قلب محمد صلي الله عليه وسلم، يقول أنس «أول حب كان في الإسلام حب النبي لعائشة»، وسألت عائشة النبي الكريم ذات يوم فقالت يا رسول الله كيف حبك لي؟ فقال: «كعقدة الحبل، فكانت دائما ما تسأله كيف العقدة يا رسول الله، فيقول: على حالها».. وحين سأله عمرو بن العاص عقب غزوة ذات السلاسل «أي الناس أحب إليك يارسول الله.. فقال: عائشة». وعاشت السيدة عائشة بعد رسول الله لتصحيح رأي الناي في المرأة العربية، فقد جمعت (رضي الله عنها) بين جميع جوانب العلوم الإسلامية، فهي السيدة المفسرة العالمة المحدثة الفقيهة. كما ذكرنا سابقًا فهي التي قال عنها رسول الله أن فضلها على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، فكأنها فضلت على النساء. كما أن عروة بن الزبير قال فيها: «ما رأيت أعلم بفقه ولا طب ولا شعر من عائشة»، وأيضا قال فيها أبو عمر بن عبد البر: «إن عائشة كانت وحيدة بعصرها في ثلاثة علوم علم الفقه وعلم الطب وعلم الشعر»، وهكذا فإننا نلمس عظيم الأثر للسيدة التى اعتبرت نبراسًا منيرًا يضىء على أهل العلم وطلابه، للسيدة التي كانت أقرب الناس لمعلم الأمة وأحبهم، والتي أخذت منه الكثير وأفادت به المجتمع الإسلامي، فهي بذلك اعتبرت امتدادًا لرسول الله.