روز اليوسف: المحافظات أذاعت صوت عبد الحليم في كل مكان على سبيل التأبين أخفت سيدة الخبر عن ابنتها لأن صحتها لا تتحمل سماعه
حليم آخر ايامه «والله ما أقول الآه ولا قدر مكتوب والله.. والله ما أقول يا زمن خليتني ليه مغلوب والله».. تغنى عبد الحليم حافظ بصوت شجي كلمات هذا الموال في بداية المسلسل الإذاعي «قاهر الظلام» عن سيرة عميد الأدب العربي طه حسين، وكانت لسان حاله حين رحل عن دنيانا بعدما غلبه المرض الذي بدأ يشتد عليه منذ عام 1956 بعد وقت قليل من بزوغ نجمه. رحل العندليب في العاشرة مساء الأربعاء، 30 مارس 1977، بعدما قضى نحو شهرين ونصف يتلقى العلاج في مستشفى "كينجز كوليدج" في بريطانيا، تحت إشراف الطبيب البريطاني "وليم روجرز"، وبرفقته الطبيب المصري شاكر شوكت سرور، والدكتور ياسين عبد الغفار الذي كان يتابع حالته من القاهرة، وسافر عدة مرات لمتابعته حالته الصحية في بريطانيا، وفقا لما ذكرته جريدة الأخبار في الطبعة الثانية من عددها الصادر في اليوم التالي لوفاة العندليب. الأهرام والأخبار تشير لوفاة العندليب في الصفحة الأولى من الطبعة الثانية لعدد 31 مارس رغم مرض حليم، إلا أن الصحف في مصر تعاملت مع نشر خبر موته بشيء من الفتور، قبل أن تقدم ملفات عن حياة العندليب وتغطية لجنازته الشعبية في الأعداد التالية لموته، ربما كانت الصدمة الأولى سببًا، فلم تلحق جريدة الجمهورية في طبعتها الثانية في عدد 31 مارس 1977، أن تشير لخبر وفاة العندليب لكن الأهرام والأخبار في طبعتيهما الثانية أشارت لخبر وفاة العندليب. وذكرت صحيفة الأهرام خبر وفاة العندليب عبر نهلة القدسي زوجة الموسيقار محمد عبد الوهاب، وأكدت خبر وفاته. الجمهورية تخصص ملف على صفحتين في عدد 1 أبريل ظلت الصحافة تتابع زيارة الرئيس السادات لأوروبا وكذلك قضية التخريب الليبية، إلا أن وصول جثمان حليم، والإعداد للجنازة أخذا حيزا في التغطيات الصحفية، للجرائد الصادرة صباح الجمعة 1 أبريل 1977، وذكرت "الجمهورية" وصول جثمان حليم في نفس اليوم، وأن الجنازة ستكون السبت من مسجد عمر مكرم، ونشرت ملف خاص عن العندليب في الصفحتين 8، 9. وكتب رأفت الخياط تقريرا بعنوان «العندليب.. انتهت رحلة عذابه وبقية رحلة الفن.. والأمل.. والإصرار»، وكان هناك عنوانا آخر يشير إلى أن حليم كان يعرف أنه ذاهب بلا عودة فقبل أيام من سفره أخبره الطبيب أنه «لا داعي للسفر». كما ذكرت الجمهورية خبر انتحار طالبة عمرها 21 عاما، بشقة حليم في شارع حسن صبري بالزمالك، وكان هناك عنوانا يقول: «شبابنا غنى مع عبد الحليم أحلى انتصاراتنا الوطنية» وصوت الفن أغلقت للحداد. من ضمن عناوين الملف «كان ينوي تمثيل قصة كفاحه مع المرض»، «وزير الإعلام والثقافة عبد المنعم الصاوي ينعي عبد الحليم»، «بليغ يبكي والطويل مريض»، «الموجي يصرخ: فقدت ابني». من ضمن ما ذكره الملف، أن الشيخ محمد درويش إبراهيم اعتاد أن يقرأ القرآن الكريم في منزل حليم منذ عام 1956 حتى وفاته، مرتين في الأسبوع يومي الإثنين والخميس، واليوم يقرأ القرآن بجوار سرير حليم بعد أن رحل. كان هناك تقرير مطول بالجمهورية مع الشخصيات الذين عملوا مع حليم مثل عبد الفتاح السيد قطب سائقه الخاص، وعبد الرحيم فضل السفرجي بمنزل حليم، وسيد البدوي أحمد طباخ العندليب، وتحدثوا عن الجوانب التي لم يرها إلا من كانوا بالقرب منه. آخر مرة سهر فيها حليم قبل السفر للعلاج، كانت مع الفنان عمر الشريف قبل أن يغادر إلى لندن، وغيرت الإذاعة المصرية من خريطتها، وكانت تذيع أغاني حليم. 2 و3 أبريل في "الجمهورية" عن جنازة حليم في عدد 2 أبريل ذكرت "الجمهورية" أن الجنازة من مسجد عمر مكرم، وأن الفنانات لن يشاركن بالجنازة بناء على طلب أسرة حليم بسبب الزحام من محبي حليم، كما غاب الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي أصيب بأزمة قلبية عند سماعه الخبر، وحاولت أسرة حليم أن تخرج الجنازة من مسجد قريب من المدافن في البساتين، إلا أن عبد الوهاب أصر أن تكون من عمر مكرم. في اليوم التالي للجنازة عنونت "الجمهورية" ب«الجماهير تودع عندليب الشرق في يوم الوفاء مع نهاية رحلة الحب والعذاب».. «يوم الوفاء وتقدير الفن والفنانين زرعت الشوارع المؤدية للتحرير بالناس.. إقامة مسجد فوق قبر حليم». "روزاليوسف" تعد ملف خاص عن حليم في العدد التالي لوفاته لأن روزاليوسف مجلة أسبوعية، فقد كان لديها فرصة أن تعد ملفا قويا عن العندليب في عددها الصادر يوم الإثنين 4 أبريل التالي للجنازة بيومين، كان الملف الرئيسي عن شهود ثورة يوليو، وكذلك خبر عن حكم جديد بحبس دكتور صوفي أبو طالب رئيس جامعة القاهرة، وملف «العقل المصري في خطر.. حالة رده فكرية منذ وفاة الملك فؤاد.. لن تعود الحضارة العربية بقطع يد السارق وزواج الأربع».. ومقالة دكتورة نوال السعداوي «أنديرا قالت لي: كانت تعرف أنهم سيسقطونها» ووضعت عناوين «حرية الصحافة لم تكن باقية عند شعب لا يملك تمن الصحف.. خصوم أنديرا استغلوا أنها أرملة في بلاد تعتبر الأرامل منحوسات وكانت تحرقهن إرضاء للإلهة!»، وملف العندليب.. «عبد الحليم حافظ.. الشهر المال والعذاب». وكتب عادل حمودة عن العندليب: «الدموع والإشاعات.. قطعت إذاعة لندن إرسالها وأذاعت نبأ وفاة عبد الحليم حافظ بعد 17 دقيقة من البيان الرسمي الذي خرج من مستشفى كيجز كوليدج الإنجليزية مساء الأربعاء الماضي». وأضاف: «صباح اليوم التالي لانتشار الخبر قررت إذاعة القاهرة أن تقطع برامجها العادية، واكتفت بتقديم آيات الذكر الحكيم والأغنيات الدينية»، وفي صباح اليوم التالي لوفاة العندليب "الخميس" نفذت الصحف وبيعت نسخها في السوق السوداء وأعلنت الطوارئ في البيوت ومدارس البنات، وأضربت البنات عن الدراسة في مدارس مصر الجديدة والسيدة زينب والإسكندرية وأسيوط عن الحضور. من ضمن الأخبار التي ذكرت عن أجواء خبر رحيل العندليب، وفقا لحمودة أنه «أخفت أم الخبر عن ابنتها لأن صحتها لا تتحمل سماعه، وانتحرت طالبة في بيت عبد الحليم بإلقاء نفسها من شقته، وحاولت 3 طالبات إلقاء أنفسهن في النيل بعد أن فقدن أعصابهن من شدة البكاء، وبعد فشل المحاولة ضاعفت الشرطة النهرية من دوريتها ونشاطها، ومحافظة الشرقية أعلنت الحداد 3 أيام، وأغلقت المحال التجارية، وحاول الطلبة تنكيس أعلام المدارس». ذكر حمودة أن «باقي المحافظات أذاعت صوت عبد الحليم في كل مكان على سبيل التأبين.. إشاعات مثل: مات من أسبوع ويعدون لإعلان الخبر.. مات منذ 10 أيام ودفن بقريته حتى لا يتكرر ما حدث في جنازة فريد الأطرش»، ويضيف: «إشاعات: سرطان المعدة، سرطان الدم، المخ، لم يتحمل عذاب المرض». وقال: «عصر اليوم سقط عبد الوهاب بأزمة قلبية، ظلوا يبحثون عن دكتور محمود عوض أشهر أطباء القلب ووجدوه في بيت عبد الوهاب يعالجه» وختم بقوله: «قيل عن عبد الحليم في ساعات أضعاف ما قيل عنه طوال حياته». أما مفيد فوزي، فكتب في نفس الملف «كان يمكن إنقاذه لكن بجراحة تفقده صوته» وأضاف «ذهب حليم في نوم طويل، لن يفيق منه، سافر إلى رحلة اللا عودة، سكت شدو العندليب، سكت الكلام في عز الكلام كما يقول حليم في إحدى أغانيه». احتوى الملف على عدة عناوين لموضوعات مثل «"ليلى" حبه الوحيد.. قصتها معه كما رواها بنفسه»، وتقرير أسرار فنه الذي بدأه كاتبه بمقولة كامل الشناوي: «معجزة عبد الحليم أنه نجح في عصر عبد الوهاب، فكانت المعجزة أنه عرف سر عبد الوهاب وكان مفتاح نجاحه ووعى درسه».