صرخاته تعلو حد السماء، وأوجاعه لا حدود لها، لم يستطع النوم نظرا لحجم الورم الذى وصل إلى الكيلوجرام، هكذا تغيرت ملامح محمد، الطفل ذي السنوات الست، الذى يتمتع بوجه جميل وملامح مرسومة، وخفة ظل وذكاء لا حدود لهما، جاء بعد خلفة أربع بنات وأصبح فاكهة العيلة، لم نستطع التحدث معه، ولكن " التحرير " عاشت آلامه وتابعت صرخاته، التى كانت أقوى من أى قول. «يارب نفسي أخف وألعب مع أصحابى فى الشارع، عايز أخرج من المستشفى ألعب مع بن عمى علشان أنا بحبه، وهو أكتر واحد بيلعب معايا، ومش بيخاف من شكلى بعد ما بقت راسي كبيرة».. هكذا لخلص محمد مأساته. ذكاؤه جعله يتفهم حقيقة مرضه برغم صغر سنه وكثرة الآلام جعلته يشعر بأن الموت يقترب منه بل يحاوطه.. هكذا تحدث محمد بمنتهى البراءة وحكى لنا قصة المروحة وجدته المتوفية التى يراها فى جميع أركان البيت تناديه وتحاول أن تأخذه معها للسماء، ولكنه لا يعلم لماذا سرقت الفرحة منه هل الفقر سبب؟ أم المرض الذى يهاجمه؟ أم الإهمال الذى يضرب بعرض الحائط كل شيء خاصة وزارة الصحة التى باتت مقبرة للجميع تستقبل الكبير والصغير ولا ترحم. يحكى لنا الأب بصوت حزين يصاحبه تحد وصراع ليعافر مع اليأس ويقاوم جميع الظروف التى تخبره "ابنك هيموت، ابنك مش هيكمل، فى ظل الإهمال والجشع وعدم الرحمة خاصة إن وجد مصطلح أكبر من ذلك"، هكذا يعبرالأب عن عجزه وفقره نحو ابنه الوحيد الذى فرح به بعدما جاء سندا وعونا له ولأخواته البنات، قائلا: "فوجئت بحالة من التشنجات انتابت ابني، وقمنا على الفور بالذهاب إلى مستشفى الدمرداش، ليطلب منى الطبيب عمل أشعة لصغيري، وبالفعل قمت بعملها وظهر بها أنه يعانى من أورام في المخ". وتابع والد محمد: "علمنا بأنهم فى بداية الأمر قاموا بتشخيص حالته على أنه خراج وليس ورما، وتم احتجازه 23 يوما على أنه خراج، وقام الطبيب بفتح هذا الخراج وتفاجئوا بأنه ورم بعدما تم إجراء العملية الأولى وقاموا بإجراء عملية أخرى بعدما أوهمونا أنها نجحت، لكن بعد 3 أشهرعادت التشنجات لابنى من جديد، لنعود به إلى المستشفى ويطلب منا الأطباء عمل أشعة رنين للمرة الثانية، ووقتها أخبرنى الطبيب أن الورم عاد من جديد بل أصبح حجمه يزيد على المرة الأولى، وتم حجزه بمستشفى الدمرداش مرة أخرى وقاموا بإجراء عملية جديدة". واستطرد: "بعد العملية الأخيرة فوجئت بأن رأس ابنى تورم وبدأ يكبر بشكل سريع ويتورم أكثر، لأذهب به للأطباء المعنيين بحالته وكلما ذهبت لمستشفى يتبرأ من حالته ليقوموا بتحويلنا إلى مستشفى آخر ما بين معهد الأورام ومستشفى الدمرداش، وكل ما أجده أن حالة ابنى تتأخر وتتدهور يوما بعد يوم"، قائلا: "علشان إحنا فقراء مفيش حد راضي يبصلنا". تابع والد محمد: «الآن لا أعرف ماذا أفعل كى أبعد عن صغيرى شبح الموت الذى يهدد حياته، أصبحت لا أملك شيئا»، مستدركا: «أعمل سائقا وتركت عملي ولكن صاحب العمل لم يتركنى بل تعاون معى وساعدنى وتحول مرتبي إلى مساعدة شهرية تأتى منه، نظرا لحاجة محمد فى وجودى بجانبه طوال الوقت». دموع الحسرة تنساب من الأب قبل أن يكمل حديثه «لما مالقتش أي حاجة أصرف بيها على علاج ابني بعت جهاز بنتي إللى كنت جايبهولها وبعدها الفلوس خلصت، فجاء خطيبها قاللي خد الشبكة بيعها، مع أن فرحهم المفروض الشهر الجاي، وأنا مش عارف ألاقيها منين ولا منين ومش عارف أعمل إيه». دموعها لم تجف من على وجهها والحزن يسكن قلبها وتجلس بجانبه تمسك بيده تقترب منه طوال الوقت كى تخبره بأنها بجانبه ولن تتركه.. والدة محمد تبكي وتتوجع كلما صرخ صغيرها قائلة: "ابنى بيصرخ طول اليوم مش بيسكت إلا لما ينام نفسه يلعب زي الأطفال إللى في سنه، دا حتى لما بينزل الشارع العيال بيخافوا يلمسوه"؛لتدخل فى نوبة بكاء لم تتوقف لحظة. وتابعت: "ابني دلوقتي مابقاش يأكل ولا يشرب ومابقاش يحرك إيده اليمين، عنيه احولت وكل شوية تزداد حالته سوءا، والسرطان انتشر على المخ كله". لتصرخ قائلة: "حد يلحق ابني قبل ما يضيع مني وماعنديش غيره".