فى سيناء، علينا أن نفهم سؤالنا الأساسى (أقصد به السؤال المختلف والمتمايز..) ثم نبحث عمن يشاركنا هذا السؤال داخل حدود الوطن.. تلك خطوة توازيها خطوة ثانية، وهى أن نفهم أسئلتنا الأخرى (وتلك أسئلة أزعم أن كل الشعب المصرى يشاركنا فيها).. هذا يعنى الآتى: فى سؤالنا الأساسى علينا أن نبحث عن حلفاء داخل حدود الوطن.. أما أسئلتنا الأخرى، فإن علينا أن نضبط إيقاعنا مع إيقاع باقى المصريين. فى أثناء العمل فى لجنة إعداد الدستور، لفّيت فى سيناء وفى مطروح.. وأزعم أن السؤال الأساسى للإقليمين مرتبط بالتنمية والثقافة.. فقلت لنفسى: هذا ما علينا أن نركّز عليه معظم جهودنا.. أما الأسئلة الأخرى مثل التمييز والمواطنة، فهى أسئلة المصريين إجمالًا.. (مع ملاحظة أن التمييز الذى يمارس ضد سيناء مختلف من حيث النوع عن التمييز الذى يمارس ضد بقية المصريين).. التمييز (مثل التعذيب) عنصر عميق من عناصر بنية الدولة المصرية.. فى دستور 2013 نجحنا فى تجريم التمييز.. بل تعاملنا معه كمرض مزمن علينا مكافحته.. وألزمنا الدولة بعمل مفوضية تختص بملاحقته (الفضل الأول للدكتورة هدى الصدة ثم عمرو صلاح وبقية أعضاء لجنة الحقوق والحريات).. وأدخلنا الجغرافيا والعرق كعنصرين من عناصر التمييز.. كل تلك تغييرات فى بنية الدولة.. بمعنى أن الدولة لما ترفض التحاق مواطن من سيناء أو النوبة أو مطروح أو سيوة أو البحر الأحمر أو حلايب وشلاتين بالوظائف القيادية فى الدولة (هذا تمييز جغرافى وعرقى) وهو ما جرّمناه.. وعلى مفوضية التمييز أن تلاحقه.. كما يلاحق الطبيب المرض.. بالنسبة إلى تمليك سكان سيناء لأراضيهم، هذا ليس من أسئلة الدستور.. هذا سؤال مرتبط ببنية الدولة المصرية.. وهى البنية اللى الظروف الموضوعية غير مهيئة لتغييرها.. سأسهّل عليك، يعنى إيش ظروف موضوعية.. هى بالضبط أن يكون فى جيبك جنيه واحد.. ثم أجىء أنا وأطلب منك أن تشترى ساندوتش كبدة.. ستقول لى: بس يا ابن الحلال الجنيه يدوب يجيب ساندوتش طعمية.. طيب ماذا يعنى هذا؟ إحنا قلنا إن بنية الدولة المصرية تقف حائلًا ضد تملك الناس فى سيناء لأراضيهم.. طيب هنا ماذا عليك أن تفعل؟ هل تقف أمام نفس الدولة وتظل تطرق بابها مكررًا: تمليك.. تمليك.. أم تبحث عن آخرين يشاركونك النضال من أجل إعادة هيكلة تلك البنية. فى لجنة الحقوق والحريات، كنا بنعمل على هذا (تغيير بنية الدولة).. كيف؟ مثلًا كانت مادة البحث العلمى فى كل الدساتير السابقة بتبدأ بالدولة.. بحيث تبدو الدولة هى المتغيّر المستقل بينما البحث العلمى هو المتغير التابع.. ألغينا هذا.. خلّينا البحث العلمى هو المتغير المستقل والدولة هى المتغير التابع.. (أتحدث عن الصياغة اللغوية فى المادة).. هذا التغيير الذى قد تراه بسيطًا وغير مرتبط بسيناء، هو فى حقيقته تغيير عميق وهو أيضًا مرتبط بسيناء. فى مادة التنمية والثقافة، أنت بدأت فى كسر تلك البنية.. أنت كسرتها لكنك لم تنهيها لمصلحة بنية جديدة.. أنت كسرتها بتلك المادة.. وكسرتها أيضًا فى مناطق كثيرة فى الدستور.. ومَن يقرأ مناقشاتنا فى لجنة الحقوق والحريات سيدرك ما أقول.. لكن مَن يصرخ: كنب ديبيد.. كنب ديبيد.. لا يمكن أن يفهم يعنى إيش ظرف موضوعى.. وسيظل يصرخ: تمليك.. تمليك.. إنه لن يستوعب أبدًا غاندى حين قال، حين يصبح حكم الهند عبئًا على بريطانيا ستترك بريطانياالهند.. غاندى قال الكلام هذا لما سأله الحاكم الإنجليزى: إنت متخيّل يا غاندى أنك مع شوية الحافين اللى معاك ستطلع بريطانيا من الهند؟!! يعنى إيه؟ يعنى لما تصير هذه البنية عبئًا على الدولة المصرية.. ستتخلّى عنها الدولة من نفسها.. وبالمناسبة تلك البنية صارت فعلًا عبئًا عليها.. ما بقى هو عنصر الإدراك.. عنصر الحس.. يعنى أن تحس الدولة أن تلك البنية عبء عليها.. وأن تدرك أنها لا يمكن أن تواصل بتلك البنية.. وهذا ما هو قريب جدًّا.. وخلال سنوات قليلة قادمة سيتم.. عندها ستكون كالمريض الذى أدرك مرضه.. وسيبدأ رحلة البحث عن علاج.. والعلاج هو إعادة هيكلة علاقة الدولة المصرية بأجهزتها وأيضًا علاقتها بأجزائها.. أف.. بس مَن يفهم؟!