قانونيون: ظاهرة لا يمكن تجاهلها.. والحاجز بين الضباط والمواطنين لازال موجودًا شهدت أقسام الشرطة، خلال الشهر الحالي، حالات وفاة متكررة، تثير الكثير من الشكوك والقلق حول أسلوب التعامل مع المحتجزين، ويستدعي دق ناقوس الخطر، ومواجهة مسئولي الأمن بذلك القصور؛ تجنبًا لفقد الأرواح، إن لم يكن بسبب تجاوزات وتعذيب حسبما تنفى وزارة الداخلية، فبسبب الإهمال والقصور في المبادرة بتقديم العلاج للمحبوسين المرضى. "مجدي مكين" الأزمة الأكثر صيتًا بين وفيات المحبوسين، هي واقعة وفاة سائق عربة "الكارو"، مجدي مكين منتصف الشهر الحالي، والتي اتهمت أسرته قسم شرطة الأميرية فيها بتعذيبه حتى الموت، بعد أن شاهدوا على الجثمان آثار تعد بالضرب المبرح، فيما فتحت النيابة تحقيقا في الأمر، واستدعت نقيب الشرطة، المتهم بتعذيبه والذي أنكر ذلك، وأكد أنَّ الوفاة جاءت نتيجة إصابته بأزمة سكر. وتفجرت أزمة اتهام الشرطة بتعذيب "مكين"، بعد انتشار فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي للجثمان، تتضح عليه آثار دماء وكدمات، كما استندت الأسرة حسب تصريح لمحاميهم علي الحلواني، إلى شهادة اثنين كانا محتجزين مع الضحية، أكدا تعرضه للتعذيب والضرب المبرح، وقالوا "الضباط داسوا عليه بالأحذية لحد ما مات". "خفير أبو النمرس" وفيما يبدو الاتهام قويًا للأمن في حالة "مكين"، يختلف الحال في الواقعة التالي، والتي شهدها قسم شرطة أبو النمرس، حيث أصدرت وزارة الداخلية بيانًا تبرئ فيه ذمتها من وفاة خفير خصوصي متهم بحيازة سلاح بدائرة القسم، يوم 20 نوفمبر الحالي، ذاكرة أن الوفاة طبيعية بسبب معاناته من أمراض الصدر وضيق التنفس، إذ أصيب عقب ضبطه، بتشنجات وحالة إعياء شديد، وبادر أفراد القوة باصطحابه إلى مستشفى أبوالنمرس المركزى لإسعافه إلا أنه توفى فور وصوله. وأضاف مسئول مركز الإعلام الأمني، في بيان صادر عن وزارة الداخلية، أنه تم سؤال المتوفى المقبوض عليه بإذن من النيابة، نافيًا تعدي أي من أفراد القوة عليه، كما أورد البيان أنه تم استدعاء شقيق المتوفى وأحد أصدقائه، ويدعى خليل عاشور عمر، واللذان قررا أن المتوفى كان يعانى من أمراض بالصدر وتنتابه حالات من التشنجات وضيق بالتنفس، وأنه سبق حجزه بالمستشفى عدة مرات خلال الفترة الأخيرة، ولم يشتبها أو يتهما أحد بالتسبب فى وفاته. وبإخطار النيابة العامة، انتقل وكيل النيابة وناظر الجثة فى وجود أهلية المتوفى، وأثبت خلوها من أي إصابات ظاهرية، وبتوقيع الكشف الطبي، ورد تقرير مفتش الصحة يفيد بعدم وجود إصابات ظاهرية بالجثة، ويرجح أن يكون سبب الوفاة أزمة قلبية حادة، ولا توجد شبهة جنائية فى الوفاة، وبالعرض على النيابة قررت عرض الجثة على الطب الشرعى لتشريحها، والإفادة بأسباب الوفاة. "قتيل البدرشين" أما الشاب العشريني عادل وحيد، الذي وافته المنية داخل قسم شرطة، وهو في الرابعة والعشرين من عمره، فقد ضبط بتهمة حيازة مواد مخدرة، قبل أن يصاب "ب"إعياء" أثناء فترة حجزه، ولم يسارع القائمين على القسم لإنقاذه، فيما تؤكد أسرته التعدي عليه بالضرب داخل القسم، بما زاد من سوء حالته، وخرج متهم آخر، أخلي سبيله قبل وفاة "عادل" بيومين، أكد تعدي الأمن داخل قسم شرطة أبو النمرس عليهم، مستشهدًا بإصابات فى جسده. وفتحت نيابة البدرشين، تحقيقًا فى الأمر، واستدعت الضابط النوباتجى، المسئول عن متابعة الأوضاع داخل قسم شرطة البدرشين، وقت وفاة المتهم بحيازة مخدرات، مع استخراج عدد من المتهمين المحبوسين فى ذات الحجز الذي كان به المتوفى لسماع إفادتهم، وبيان تعرضه لتعدى أدى إلى وفاته من عدمه، مع استعجال تقرير الصفة التشريحية للجثمان للتحقق من سبب الوفاة، وتحريات قطاع الأمن العام بوزارة الداخلية حول الواقعة، واستدعاء أهلية المتوفى لسماع أقوالهم، وبيان إذا كانوا يلقون بالمسؤلية على أحد من عدمه. "أزمة سكر" كما شهد يوم 21 نوفمبر الحالي، إعلان وفاة سجين شاب يُدعى "محمد.ق.أ"، لا يتجاوز عمره 25 سنة، داخل قسم شرطة ثان الإسماعيلية، وأرجعت الأجهزة الأمنية سبب الوفاة إلى غيبوبة سكر انتابت المتهم بعد استيقاظه من نومه، وحال نقله إلى المستشفى، لفظ أنفاسه الأخيرة. وصرحت النيابة بدفن جثة المتوفى، بعد أن استمعت النيابة إلى أقوال أهله والسجناء، الذين أكدوا أنه مريض بالسكر، ويصاب بغيبوبة بشكل متكرر، فصرحت النيابة بدفنه. "هبوط في الدورة الدموية" في نهاية نوفمبر، توفى متهم جنائي يقضي عقوبة بالسجن في قضية مخدرات، بسجن المنيا شديد الحراسة، الكائن بمدينة المنيا الجديد، وأشارت مصادر إلى أن الوفاة نتيجة إصابته بهبوط في الدورة الدموية. كان اللواء فيصل دويدار، مساعد وزير الداخلية لأمن المنيا، قد تلقى إخطارا من اللواء محمود عفيفى، مدير البحث الجنائي بالمديرية، بوفاة "أ.ع"، 30 سنة، مقيم بإدفو بمحافظه أسوان، داخل السجن شديد الحراسة بالمنيا، وكشف سجل المتهم أنه يقضي عقوبة حبس ستة أشهر في قضية مخدرات، وتبين أنه أصيب بهبوط بالدورة الدموية أعقبته الوفاة. "انتهاكات في إطار حماية سياسية" ويرى المحامي طارق العوضي، أن تكرار الوفيات المشار إليها في وقت قليل، أمر طبيعى، بسبب الصلاحيات الواسعة لأجهزة الأمن، التي تتمتع بإطار من الحماية السياسية، يداري على انتهاكاتها فى حق المواطنين، بما يمنحها مساحة أوسع للتنكيل بالمواطن فيصير الطبيعى أن يتساقط ضحايا، مشيرًا إلى إفلات المتجاوزين غالبًا من العقاب، علاوة على طول إجراءات التقاضى بما يمنح فرصة للضغط على أهالى الضحايا لإقناعهم على التنازل. وأكد العوضي، ل"التحرير"، أنه لا ينال من رأيه السابق كون وفاة المساجين بسبب مرض، قائلًا إنه يجب حفظ كرامة الإنسان حتى لو كان متهمًا، معقبًا: "فما بالنا لو كان مريضًا، فبالطبع علاجه ومراعاته صحيًا واجب على مسئولي الحبس، طالما كان مقيد الحرية، ولكن لا أحد يهتم في بلادنا بفحص الحالة الصحية للمتهم قبل إيداعه السجن، أو حتى يتفهم مرضه لو طلب علاج، أو حتى يراعى طبيعة الأمراض المزمنة كالسكر والضغط والقلب وغيرها"، وشدد على أن تقاعس مسئولي الحجز عن علاج متهم مريض، وتركه يموت، يُعد جريمة قتل بالامتناع، وعقوبتها السجن المؤبد. ونوه العوضي بضرورة تقديم الأولوية للقانون، والتعامل مع المتهم على أنه بريء حتى تثبت إدانته وليس العكس، مؤكدًا أنه يوجد قواعد دستورية وقانونية مهملة بالرغم من أنها واجب، مستشهدًا بدستور 2014 الذى يشدد على أن كل من يقبض عليه يعامل بما يحفظ كرامته ويحق له الاتصال بمحامى والتزام الصمت وحقوق أخرى يعرفها العالم لكنها لا تطبق فى بلادنا. التعذيب ليس بالضرب فقط فيما اعتبر المستشار القانوني خالد سليمان، أن حالات الوفيات على الشاكلة المذكورة ستستمر وتتكرر طالما سياسة التعامل مع المتهمين بقسوة قائمة، مؤكدًا أن ضباط المباحث يتعاملون مع المتهم بتشكك وتشدد، ولا يصدقون قوله إنه مريض، ويعتقدون أن ذلك إدعاء، مكملًا: "ثقافة احترام حقوق الإنسان لم تكن موجودة قبل ثورة 25 يناير، إلا أن الضباط مازال لديهم حاجز نفسي بالتعامل مع المصريين". وأشار "سليمان" إلى أن التعميم دائمًا ظالم، مردفًا: "لكن لا ينبغي أن نعمي أعيننا عن الحقيقة، وندفن رؤوسنا في الرمال، رغم تجدد الأمر مرارًا وتكرارًا حتى كاد يصبح ظاهرة، فهنا لابد من الوقوف أمام الحقيقة"، وأوضح أن التعذيب ليس بالضرورة ضرب أفضى للموت، ولكن "جر وصفع وسب وإهانة بأي طريقة"، مردفًا: "هناك من تنتابه الصدمة من غطرسة شخص في عمر أولاده يتحدث إليه بسوء أدب، وهناك من لا يقبل أن يسمع سب وإهانة لوالديه، أو ما شبه، وهو أمر لو رصدناه في المعتاد لوجدناه دائم". وطالب، في تصريحاته ل"التحرير"، بتدخل تشريعي لتقليل المواد التي تقيد الحريات، وتملأ أقسام الشرطة والسجون بالمتهمين "عمال على بطال" - حسب قوله، مقرًا بالقضاء والقدر في وفاة بعض المتهمين، لكن تكرار الوقائع، والتي يكون ضحايها شباب في مقتبل العمر، وبحجج واهية، ثم تظهر آثار تعذيب على أجساد بعضهم، هو أمر فج لا يقبل التبرير، كما طالب النبالة العامة بالقيام بدورها الرقابى والتفتيش المستمر على أقسام الشرطة والسجون. "سوء حظ" الشرطة من ناحية أخرى، قال الخبير القانوني ياسر سيد أحمد، إن من سوء حظ الشرطة أن تتوالى حالات وفيات المتهمين، حتى يستحي المتشدقون بعدم إساء معاملة المتهمين، والذي سببه عدم محاكمة المخطئين من الجهاز، ومن المعروف أن من "آمن العقوبة أساء الأدب"، مستشهدًا بواقعة القبض على المحامى كريم حمدى وتعذيبه حتى الموت، في حين قضت المحكمة بالسجن 10 سنوات فقط للمتهمين، وتم الاستتئناف على الحكم حتى تهمش العقوبة، وتلك الواقعة دليل قاطع على وجود تعذيب وتجاوزات، بما يوجب وقفة ومراجعة لسلوكيات رجال الأمن من أكبر ضابط حتى أصغر فرد. وأضاف "ياسر"، ل"التحرير": "للأسف بيحاولوا يحموا بعض، ولا يتم كشف التعديات وتقديم صاحبها للمحاكمة إلا لو خرج الأمر عن أيديهم وسقط متهم قتيلًا"، مؤكدًا عدم التعامل مع شكاوى المتهمين وبلاغات أسرهم إلا لو أخذت الواقعة حيز إعلامى وكانت حالة صاحبها متدهورة إن لم يكن توفى. وأضاف: "أكبر دليل على تجاوزات الشرطة، هو ما ذكره رئيس الجمهورية فى خطاب رسمى ومنشور رسمى، بضرورة التزام الشرطة بالدستور وحسن التعامل مع المواطنين واحترامهم"، مضيفًا أن التعامل مع المتهم يكون بتقديمه للمحاكمة وليس إهانته والتنكيل به، فطالما لم يحاول المقاومة أو التعدى على رجل الضبط فلا داعى للتعامل مع بالعنف والقسوة. وتابع المحامى "التحقيق الداخلى من وزارة الداخلية فى تجاوزات الضباط غير كافى، ولابد من تحقيقات نيابية وتقديم المخطئين للمحاكمة، دون صناعة فراعة تحت ألقاب بيه وباشا، على حساب ضحايا أمثال خالد سعيد وسيد بلال.