إذًا فقد سافرت وعدت.. سالمًا فى الحقيقة، لكننى مصدوم ومهزوز نفسيًّا إلى حد كبير، فما تعرضت لها كان كبيرًا.. فى طريق العودة الذى كان رغم كل هذه المآسى نفس طريق السفر المريح! بدأ طريق سفرى أو عودتى إلى القاهرة يوم العيد من مدينة ملوى جنوبالمنيا، التى بها مقر موقف الأوتوبيسات الذى استفسرت من فرع شركته فى القاهرة فقالوا لى إن أوتوبيسًا تابعًا لهم يتحرك فى تمام السادسة مساء، وهو ما كان، فقد وصلت إلى محطة الأوتوبيس قبل الموعد بأربعين دقيقة، لكننى فوجئت بأن الشركة تسيّر إلى القاهرة أوتوبيسين فقط كل يوم وفى موعدين متباعدَين (أولهما كان الواحدة بعد منتصف الليل)، لا كما أخبرنى فرعها فى القاهرة! قررت على الفور أن أركب ميكروباصًا رغم كرهى الشديد له، وشعورى الدائم أنه لا يستحق أن يكون وسيلة مواصلات، لكنها الحياة والظروف التى تضطرنا إلى ذلك.. إلى ما لا بد منه ولا مفر. 1- اخترت الميكروباص الذى ركبته تحديدًا لأننى وجدته ممتلئًا وهذا يعنى انطلاقه فورًا بدلًا من انتظار «لَمّ الركاب»، لكننى وجدت أن ثلاثة ممن يركبون كانوا فقط موجودين لإيهامى بذلك، وبعدما ركبت وجدتنى أجلس فى سيارة بها عدد قليل من الركاب تلفّ فى حدود 400 متر بشكل متتالٍ للبحث عن ركاب. 2- امتلأت السيارة. يوجد طريق مباشر من المدينة إلى الطريق الصحراوى الشرقى عبر كوبرى يمر فوق النيل، ويوجَد ثلاثة يركبون فى كابينة الميكروباص اكتشفتُ أنهم أصدقاء «قلبوا» الكابينة مقهًى، ومرة واحدة قرروا الدخول للصحراوى من المنيا لا من ملوى.. وهذا معناه السير لمدة ساعة فى الطريق الزراعى. 3- اكتشاف جديد.. الثلاثة الذين يركبونها ليسوا من سائقى الخط، ولا يعرفون أن بين ملوى والمنيا ما يقرب من 140 مطبًّا، «لبسنا» فيها جميعًا والحمد لله، ثم وصلنا إلى المنيا بعد أن أوشكت المعدة أن تخرج من الفم، وعصبيتى تخرج كل 10 دقائق بكلام ولعنات تجاه السائقين.. وبدأ الثلاثة فى سؤال كل من يجدونه فى الشارع عن كيفية الوصول إلى الطريق الصحراوى.. وبعد السير فى الطريق الخطأ لفترة والعودة منه.. ظهر الصحراوى. 4- السائقون الأفاضل الذين تبادل اثنان منهم قيادة الميكروباص دون أى تغيير فى طريقة القيادة التى بدت لى كأنها المرة الأولى لهما، لا يوجد فى «تنك» سيارتهم ما يكفى من البنزين لكى نصل إلى القاهرة، ولما تحملنا الأمر وأشرنا له إلى طريق البنزينة، اكتفى منها بعشرين لترًا 92 فقط، لأنه غالٍ «وهو عايز يزوّد 80.. ماليش دعوة»، بدأ السير فى طريقه إلى المأسوف عليها القاهرة، وبدأ البنزين فى التآكل، حتى إن المسافة من بنى سويف إلى مدخل القاهرة كان «البيه السوَّاق» يسير فيها خلف سيارة أخرى أعلى منه حتى يخفف ضغط الهواء عن سيارته.. وتَخيَّل أننا نسير خلف ميكروباص آخر بنصف متر أو أقل وبسرعة 140 كم.. وشوف إيه اللى كان بيحصل.. وأقلُّه أن الميكروباص الأمامى دخل فى حارة جانبية دون إشارة فلبس ميكروباصنا فى حفرة بطريق القادمين من القاهرة وتوقف بما يقرب من الحفرة ب20 سم تاكسى قادم من القاهرة.. وشوف بقى «يا الحفرة يا التاكسى». 5- وصلنا إلى القاهرة بسلامة الله، والمفترض أن الطريق سينتهى فى رمسيس، لكن المصيبة أن السائق الذى يقول عن نفسه إنه من سكان مدينة السلام (شرقِىّ القاهرة)، لا يعرف الطريق إلى رمسيس، وعندما وصفناه له وجاءت سيرة «العباسية»، قال إنه لا يعرفها أيضًا، وتساءل عن علاقتها بالسير إلى رمسيس! فضلًا عن كونه يشعر أنه يسير فى شوارع القاهرة وحيدًا.. وكاد يصطدم تقريبًا بكل سيارة تتحرك بجورانا. 6- وصلنا إلى رمسيس فنظر إلىّ السائق وأنا نازل وقال: «ماتبقاش تركب عربيات بالليل علشان شكلك بتخاف». 7- أنا هاتجنِّن.