عُشَّاق كرة القدم الحقيقية على موعد مساء اليوم مع السحر والفن والجمال عندما يلتقى قطبا الكرة الإسبانية برشلونة وريال مدريد فى كلاسيكو جديد فى إطار الليجا الإسبانية. كلمة كلاسيكو تعنى بالإسبانية «تقليدى» أو «اعتيادى»، ولكنها هنا تعنى مباراة الديربى، أى المباراة الهامة التى تسلَّط عليها الأضواء وتحظى باهتمام الجميع. أول من استخدم هذه الكلمة الأرجنتينيون ليشيروا بها إلى المباراة التى تجمع بين أقوى فريقين فى بلاد التانجو: ريفر بلات وبوكا جونيورز. وبدأت إسبانيا فى استخدام نفس الكلمة فى أوائل الألفية الثالثة لتصبح مصطلحًا حصريًّا خاصًّا بالإشارة إلى مباراة الريال والبارسا. الكلاسيكو الإسبانى يأخذ بعدًا تاريخيًّا وسياسيًّا يجعلة أكبر وأهم من كونه مجرد مباراة فى كرة القدم! فالكتالان يعتبرونه ثأرًا سنويًّا ضد كل ما لاقوه من ظلم ومعاناة من قبل حكومة مدريد فى أثناء وبعد الحرب الأهلية الإسبانية فى فترة الثلاثينيات! فقبل اندلاعها عام 1936 انقسمت إسبانيا إلى فئات متنازعة أبرزها الكتالان المعارضون لنظام الحكم والمطالبون بالحكم الذاتى.. والمدريديون الموالون للحكومة وللحاكم الجنرال فرانكو الذى اضطهد بعد انتهاء الحرب أهالى مقاطعة كتالونيا وحاول طمس كل معالم ثقافتهم وتاريخهم الإقليمى فحرّم عليهم استخدام لغتهم المحلية وكذلك منعهم من تسمية أبنائهم بأسماء كتالانية مثل «چوردى»، بل وقام بتضييق الخناق على فريق برشلونة حتى لا يتمكن من منافسة نادى العاصمة الريال، وتجلى ذلك فى قصة تاريخية لا ينساها الكتالان أبدًا هى قصة اللاعب الأرجنتينى ألفريدو دى ستيفانو الذى تعاقد معه برشلونة فى الخمسينيات للعب فى صفوفه، إلا أن الفيفا طلب الحصول على موافقة نادية الأصلى، وهنا تَدخَّل رئيس الريال سانتياجو بيرنابيو، بإيعاز ودعم من رجال الحكومة، واستطاع أن يقنعه بتوقيع عقد آخَر للاحتراف فى صفوف فريقه! تعقدت المسألة وتشابكت بعد أن أصبح كل منهما يمتلك عقدًا يحمل توقيع اللاعب، حتى تدخل الاتحاد الإسبانى لكرة القدم وأصدر قرارًا بأن يلعب دى ستفانو فى إسبانيا لمدة أربعة مواسم يقضى اثنين منها فى صفوف كل فريق، إلا أن برشلونة تنازل عن حقه فى اللاعب الذى تحول بعد ذلك إلى أسطورة فى الريال وقاده إلى إحراز بطولات محلية وأوروبية عديدة، وأصبح الآن رئيسًا شرفيًّا للنادى. تجددت الجراح والحرب ثانية بين الناديين عام 2002 عندما استطاع رئيس المدريد الحالى فلورنتينو بيرث أن يغرى لويس فيجو نجم هجوم البارسا بالانتقال للعب ضمن صفوف فريقه، فقامت الدنيا ضد اللاعب الذى أصبح كالخائن فى برشلونة، وبالطبع زادت حدة العداوة التاريخية بين الناديين. قديما كان الكتالان يطلقون على فريقهم اسم «جيش كتالونيا» لكونهم الرجال الوحيدين القادرين على هزيمة الحكومة الممثَّلة فى فريق الريال، حسب اعتقادهم. أما الآن فالعبارة الأشهر فى كتالونيا هى «البارسا.. أكثر من مجرد فريق!»، وتعنى أنه رمز تاريخى لمقاطعة ما زالت حتى اليوم تطالب بالانفصال والحكم الذاتى. البارسا تأسس عام 1899 على يد رجل الأعمال السويسرى هانز جاسبر الذى غير اسمه إلى چوان جاسبار بعد أن حصل على الجنسية الإسبانية.. أما ريال مدريد فتأسس عام 1902 على أيدى بعض الأساتذة والطلاب من هواة كرة القدم، وكان يسمَّى «نادى مدريد»، ثم نال لقب «ريال» (ملكى) بقرار من الملك ألفونسو الثالث عشر عام 1920 ليصبح اسمه الرسمى «ريال مدريد».. ويطلق عليه حاليًّا لقب «الميرنجى»، وهو نوع من الحلوى أبيض اللون. كلاسيكو اليوم سيُقام فى ملعب برشلونة الممتع «الكامب نو»، وفيه ستحدث الظاهرة الكونية الفريدة المتمثلة فى اجتماع الشمس والقمر معًا فى مكان وتوقيت واحد (ميسى وكريستيانو رونالدو)، وفى حضور مجموعة من النجوم المضيئة التى تحمل أسماء أنيستا ونيمار وراموس وبنزيمة، بمشاركة مجموعة أخرى من الكواكب اللامعة فى مجرات عالم الساحرة المستديرة. عزيزى القارىء.. كل ما أستطيع أن أضمنة لك فى أثناء المشاهدة اليوم أنك «مش هتقدر تغمض عينيك»!