رأت مجلة "بوليتيكو" الأمريكية أن واشنطن في حاجة إلى انتهاج مذهب جديد في سياستها الخارجية. ورصدت المجلة - في تعليق على موقعها الإلكتروني اليوم الخميس - ما وصفته بأنه شلل تعانيه الإدارة الأمريكية إزاء ما يحدث في سوريا، قائلة : "إن قرارات الرئيس باراك أوباما تتراوح من سيء إلى أسوأ بكل المقاييس". ورأت "بوليتيكو" أن سوريا تمثل في الحقيقة عرضا لتوعك فكري عميق بمؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية التي تعاني حالة "اضطرابات في الأحكام"، بحسب المجلة. كما رصدت المجلة بعض أوجه تخبط السياسة الخارجية الأمريكية، مشيرة إلى أن القائمين على هذه السياسة بعد ما أحجموا عن انتهاج مذهب "المحافظين الجدد" - الذي سار عليه من قبل الرئيس السابق جورج بوش الإبن في طريقه للحرب على العراق وأفغانستان - اتجهوا إلى اعتناق "مذهب أوباما" القائل بأن أمريكا لا يجب أن تقحم جيشها في صراعات عالمية - لا سيما في منطقة الشرق الأوسط. ورأت المجلة الأمريكية أن القائمين على السياسة الخارجية بذلك قد اختاروا ألا يكون ثمة سياسة خارجية، وآثروا بدلا من ذلك الإنكفاء على الملفات الداخلية في ظل حالة الكساد المحبطة. ولكن استراتيجية الانكفاء على الذات هذه لا تخلو من المخاطر، بحسب المجلة التي أشارت إلى أن المذبحة السورية التي اختارت الولاياتالمتحدة غض الطرف عنها قد سجلت حتى الآن سقوط نحو 125 ألفاً من المدنيين. وقالت "بوليتيكو" إنه كلما ظلت واشنطن على موقفها المتخاذل، زاد نفوذ تنظيم القاعدة على نحو لا يقف تهديده ضمن الحدود السورية، وإنما يتجاوزها إلى دول الجوار. ورأت المجلة الأمريكية أن الدرس المستفاد هنا هو أن الإحجام عن عمل أي شيء يمكن أن ينجم عنه المخاطر نفسها التي قد تنجم عن عمل الشيء الكثير. وحتى أوباما، الذي خذل الكثيرين في أمريكا بتردده إزاء استخدام الكيماوي في سوريا، يبدو أنه بدأ يدرك قصور "مذهب أوباما"، بحسب المجلة التي لفتت إلى أنه قضى السنوات الخمس الأخيرة ينافح عن موقفه الداعي إلى عدم التدخل العسكري في منطقة الشرق الأوسط ("إنما جئت لأضع نهاية للحروب لا لأوقد نارها") وضرورة التواصل مع شركائنا الدوليين. ورأت "بوليتيكو" أن أوباما أبلى بلاء حسنا في سعيه لنزع الشرعية عن الهجوم على سوريا الذي اعترض طريقه مؤخرا، مشيرة إلى مغالاة الرئيس الأمريكي في رسم وتنقيح الخطط لهذه الهجوم في ظل تناقض التوجيهات السياسية الصادرة عن كبار مستشاريه على نحو ترك الشعب الأمريكي في حالة انقسام حول الخطط الرامية إلى الحيلولة دون وقوع مذبحة جماعية. ورصدت المجلة الأمريكية كيف تشبث أوباما بالفرصة التي طرحها نظيره الروسي فلاديمير بوتين، رغم هشاشتها، لتنقذه من ورطته مع كونجرس لم يكن واردا أن يمنحه التفويض الذي يطالب به. وقالت المجلة إنه أيا كان ما يحدث الآن في سوريا، يتعين على أوباما أن يدرك أنه لا يسعه تجاهل بعض الحقائق البسيطة التي كانت من قبل مثار سخرية المحافظين الجدد؛ ومنها على سبيل المثال أن تنظيم القاعدة والجماعات المنبثقة عنه وأيديولوجيات العنف التي تحركه لم تنته بعد ولم تنحسر موجتها؛ وأن غياب الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط سيستمر حتى يتمخض عن موجة من الاضطراب؛ وأن المستبدين والمستقويين بأسلحة الدمار الشامل لا يزالون يمثلون تهديدا خطيرا؛ وأن إيران، الحليف الراسخ للنظام السوري، لا تزال ماضية في مسارها رغم محاولات إثنائها. ورصدت "بوليتكو" ارتفاع بعض الأصوات الأمريكية المعنية بالسياسة الخارجية بأهمية العمل على إيجاد إطار عمل واضح يمكن من خلاله مجابهة ما يعوق هذه السياسة من تحديات. وأشارت إلى أن ثمة أصوات لديها من الجرأة ما يكفي للقول بأن "مذهب أوباما" قد أثبت فشلا.. على غرار مذهب "المحافظين الجدد" وأنه يتعين على واشنطن البحث عن منهج وسطي جديد في السياسة الخارجية لمجابهة تلك التحديات. وأوضحت المجلة أن هذا المذهب الوسطي الجديد بدأ يتبلور، قائلة إن هذا المذهب حقيق بأن يحتضن القوى الأمريكية لا أن يسيئ استخدامها، وأنه ربما يرفض مظاهر مذهب "المحافظين الجدد" لكن ليس التعهدات الأخلاقية المهمة ولا وجهات النظر التي لا تزال صالحة بشأن المخاطر العالمية التي أوجدته.. وأوضحت المجلة كذلك أن هذا المذهب الجديد سوف يرفض أيضا مظاهر "مذهب أوباما" ولكنه لن ينكر الحاجة إلى التعقل في حساب التكاليف المحتملة جراء شن حرب على الأرض في نزاعات أجنبية. فوق هذا وذاك، رأت "بوليتيكو" أن هذا المذهب الجديد في السياسة الخارجية الأمريكية سوف يرفض التوجه الانعزالي المتزايد لكلا المذهبين الآخرين. ونوهت المجلة - في ختام تعليقها - عن أن فكرة انتهاج سياسة خارجية أكثر وسطية ليس بالأمر الجديد على الأمريكيين؛ معيدة إلى الأذهان كيف حاول في السابق كل من الرؤساء: رونالد ريجان، وجورج بوش الأب، وبيل كلينتون، اتباع سياسات خارجية تحاول استرضاء تيار الوسط الأمريكي.