حملت لنا وسائل الإعلام خبرا مفاده أن وزير الدفاع الأمريكى، تشاك هيجل، قد أجرى اتصالا هاتفيا مع الفريق أول عبد الفتاح السيسى، القائد العام للقوات المسلحة، نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع والإنتاج الحربى، أول من أمس (الثلاثاء)، بحث معه قضية أمن الأقباط المصريين. وقد نشرت وزارة الدفاع الأمريكية خبرا حول هذه الحادثة الهاتفية. بدايةً أودّ التشديد على قضية جوهرية، وهى رؤية الأقباط لأنفسهم ومسألة الحماية، وهنا أقول إن تاريخ الأقباط يؤكد بجلاء أنهم لم يبحثوا فى يوم من الأيام عن مصدر حماية من خارج الوطن، مهما كانت الروابط والصِّلات، فالأقباط رفضوا على مر التاريخ طلبات غربية وشرقية بالحماية رفضوا عروضا غربية للحماية من منطلق دينى وحملوا السلاح مع أشقائهم المسلمين ضد «الفرنجة» الذين اتخذوا من الصليب شعارا لحملتهم، ورفضوا أيضا عرضا روسيًّا بحماية الأقباط من منطلق الوحدة المذهبية على أساس اشتراك الروس والأقباط فى اتباع المذهب «الأرثوذكسى». والحقيقة يرجع رفض الأقباط لأى نوع من الحماية الخارجية إلى سببين: الأول سبب إيمانى دينى يلوذ به رجال الدين والمتدينون من الأقباط ينطلق من الإيمان بالمشيئة الإلهية وعدم الاتكال «على ذراع بشر»، والسبب الثانى وطنى خالص، حيث يؤمن الأقباط إيمانا تاما بالوطن، فلا توجد فى الأدبيات القبطية ولا فى تراث الأقباط ما يعطى قيمة لقطعة أرض تتقدم على أرض مصر، لا يوجد لديهم ما يقول لهم إن أرض فلسطين حيث وُلد المسيح وبشَّر بدعوته، أكثر قداسة من أرض مصر، بل لديهم فى تراثهم ما يعطى القداسة لأرض مصر، فقد لجأت العائلة المقدسة إلى أرض مصر هربا من «هيرودس» الملك، وعاش المسيح والعائلة المقدسة ثلاث سنوات على أرض مصر، ومكتوب فى الكتاب المقدس «مبارك شعبى مصر». الإحاطة بهذه الخلفية مهم جدا لمعرفة وفهم وتوقُّع سلوك الأقباط تجاه كل ما يتعلق بالوطن وما يمكن أن يطرح من قضايا ومنها قضية الحماية، فهى مرفوضة تماما ولا تفكير فيها وهى التى تفسر لنا ما قاله قداسة البابا تواضروس الثانى تعليقا على مطالبة البعض بتدخل قوات المسلحة لحماية الكنائس بعد عمليات حرق ونهب وتدمير عشرات منها إبان ثورة الثلاثين من يونيو، حيث قال إن ما يُهدَم من كنائس سوف يُعاد بناؤه، أما انكسار القوات المسلحة فلا يمكن تعويضه ويؤدى إلى ضياع الدولة، فقد قدم مصلحة الوطن على مسألة تأمين الكنائس. وطوال فترة الثورة وما شهدته من حرق وتدمير للكنائس لم يتطلع الأقباط إلى حماية خارحية ولم يطلبوا من أحد خارج مصر توفير الحماية لهم أو كلفوا أحدا من الخارج بالحديث مع القوات المسلحة لتوفير الحماية للأقباط والكنائس. أيضا لم يشعر الأقباط إبان ثورة الثلاثين من يونيو بأنهم منفصلون عن مجتمع المصرى، فلا ينظرون إلى أنفسهم كأقلية ولا كجالية تحتاج إلى الحماية الخارجية. قدَّم الأقباط طوال هذه الفترة تضحيات كبيرة وتحملوا تجاوزات أبرزها حرق ونهب وتدنيس عشرات الكنائس، ومحاصرة منازلهم ضمن حصار قرى فى صعيد مصر (دلجا نموذجا). وطوال هذه فترة كان التطلع إلى الدولة المصرية فقط، كانوا يتطلعون إلى مؤسسات الدولة المصرية كى تنهى مآسيهم، وهو ما تحقق مؤخرا من خلال نجاح قوات الشرطة والجيش فى دخول قرية دلجا وفك أسر الأقباط هناك، وهو نفس الأمر الذى يحكم رؤيتهم تجاه المستقبل، فقد احتفلوا بسقوط حكم المرشد والجماعة وعودة مصر التى يعرفونها أملا فى بناء دولة مدنية حديثة تنهض على حكم القانون، والمساواة وقيمة المواطنة. وفى ذروة المأساة إبان حرق الكنائس ونهب الممتلكات وحصار البيوت فى القرى لم يتطلع الأقباط إلى مصدر حماية من خارج حدود البلاد، وبالتالى لم يتوقف الأقباط أمام الخبر الذى بدأنا به وهو الاتصال الهاتفى بين وزير الدفاع الأمريكى تشاك هيجل ونظيره المصرى الفريق أول عبد الفتاح السيسى، الذى طلب فيه الأمريكى من المصرى توفير الحماية للمصريين الأقباط، بل إن أقباط مصر ينظرون إلى الولاياتالمتحدة باعتبارها الحليف الأول للجماعة، ومن ثَمَّ العدو الأول لمصر والمصريين، وكان ذلك واضحا إبان ثورة الثلاثين من يونيو، حيث رفع المصريون صور الرئيس الأمريكى باراك أوباما وسفيرته فى القاهرة آنذاك «آن باترسون» باعتبارهما من أعداء الثورة، فما الذى تغير وجعل واشنطن تهتم فجأة بحماية الأقباط؟ المؤكد أن واشنطن وبعد أن خسرت معركتها مع جيش مصر وشعبها وفشلت فى تثبيت حكم المرشد والجماعة بدأت تبحث عن أوراق تقليدية تستخدمها ضد الدولة المصرية ومنها ورقة «الأقباط» وهو ما نردّ عليه بحسم، مطالبين واشنطن بالتوقف عن الحديث عن هذه القضية فورا، فالأقباط مكوِّن مصرى أصيل، جزء من الشعب المصرى، حمايتهم منه ومن مؤسسات الدولة، مشكلاتهم مصرية وتُحلّ على أرض مصر، همومهم مصرية خالصة، لا يتطلعون لحماية خارجية ولا يمكن أن يستقووا على وطن يمثل لديهم قيمة عليا، فلا توجد قطعة أرض فى الدنيا تعادل لديهم أرض مصر.