الصحفية الأسطورية وعميدة مراسلى البيت الأبيض على مدار 5 عقود ترحل عن 92 عاما كانت رائدة فى مجال اشتغال النساء بالصحافة فى وقت كان الرجل المهيمن على بلاط صاحبة الجلالة، كما كانت صحفية جريئة لم تكن لتخشى صاحب أرفع منصب سياسى فى العالم، حيث اعتادت على مواجهة الرؤساء الأمريكيين من عهد جون كينيدى، بأسئلة غير متوقعة ومحرجة فى كثير من الأحيان حول «الكيان الإسرائيلى» والجرائم والفظاعات التى يرتكبها الجنود الأمريكيون فى الأراضى التى تخوض فيها الولاياتالمتحدة حروبا. هى هيلين توماس، عميدة مراسلى البيت الأبيض، ذات الأصول العربية اللبنانية والتى خلال تغطيتها أخبار البيت الأبيض لنحو خمسة عقود واجهت الرؤساء الأمريكيين بأسئلة لم يكن صحفى يجرؤ على التفكير بطرحها، فكان أكثر من رئيس أمريكى واجهته توماس بأسئلتها قد ارتبك، بل حتى التأتأة أحيانا كثيرة. عرف عنها كونها مناصرة للقضايا العربية، خصوصا القضية الفلسطينية، ولم يكن من المستغرب أن شن اللوبى الصهيونى عليها حملة كاسحة أجبرتها على الاستقالة لمجرد تسريب حديث لها قالت فيه «إن على الإسرائيليين أن يخرجوا من فلسطين والعودة إلى ديارهم»، فى إشارة منها إلى تهجير الفلسطينيين لمجرد توطين اليهود من مختلف دول العالم. وتعتبر توماس من رائدات العمل الصحفى فى العالم، حيث كانت أول امرأة عضوا فى نادى الصحافة القومى، وأول امرأة عضوا ورئيسا لجمعية مراسلى البيت الأبيض وأول امرأة عضوا فى «نادى جريديرون» وهو أقدم وأهم نادى للصحفيين فى العاصمة الأمريكية. وكتبت أربعة كتب كان آخرها «كلاب حراسة الديمقراطية» الذى انتقدت فيه دور وسائل وشبكات الإعلام الأمريكية فى فترة رئاسة جورج بوش، حيث وصفت وسائل الإعلام الكبرى بأنها تحولت من «سلطة رابعة وكلاب تحرس الديمقراطية إلى «كلاب أليفة». وعرفت توماس بتوجيهها لأسئلة صعبة وإلحاحها للحصول على إجابات خلال المؤتمرات الصحفية حتى وصف سكرتير صحفى للبيت الأبيض أسئلة توماس بأنها كانت بمثابة «عملية تعذيب» لكنه لم يخف إعجابه بموهبتها. وبدأت توماس مشوارها الصحفى كموظفة طباعة فى جريدة «واشنطن ديلى نيوز» ثم عملت لعقود لوكالة «يونايتد برس إنترناشونال» ثم أصبحت كاتبة عمود فى سلسلة صحف «هيرست». قامت توماس بالتغطية الصحفية لنحو 10 رؤساء للولايات المتحدة بدءا من جون كيندى، وقال الرئيس الأمريكى السابق بيل كلينتون إن توماس هى السيدة الأولى للصحافة الأمريكية، حيث عرف وجهها من الوجود الدائم فى الصف الأول فى مؤتمرات البيت الأبيض إضافة إلى أسئلتها اللاذعة. وأثار هجوم توماس الشديد على الرئيس الأمريكى جورج بوش والحرب على العراق حفيظة الصحافة اليمينية بالولاياتالمتحدة وأطلق عليها لقب «العرافة العجوز القادمة من الشرق». وعبر الرئيس الأمريكى باراك أوباما عن حزنه لرحيل توماس، وقال إنها «كانت رائدة حقيقية، فتحت الأبواب وحطمت الحواجز أمام أجيال من النساء للعمل فى الحافة. قامت بتغطية البيت الأبيض منذ الرئيس جون كينيدى وعلى مدار ذلك الوقت لم تعجز أبدا عن أن تجعل الرؤساء الأمريكيين يقفون على أطراف أصابعهم، بمن فيهم أنا».