الموت البطىء لا يصيب الإنسان فقط، ولكن فى شمال سيناء يصيب النبات والشجر، فثمار الخوخ السيناوى تركها أصحابها لتموت ببطء على أغصان الشجر، بعد أن حالت بينهما الأوضاع الأمنية وألغام الجماعات المسلحة، ما أسفر عن كساد موسم الخوخ الذى لا يستمر سوى 15 يومًا فقط، قبل أن يبدأ موسم جنى الثمار، ففى سيناء الحرب تقضى على الإنسان والحجر والشجر. وأجمع عدد من أصحاب مزارع الخوخ فى مدينة رفح الحدودية فى جولة ل"التحرير" اليوم الإثنين، أن هذا الموسم منهار للغاية حيث تواجه سوق الخوخ فى شمال سيناء كسادًا ملحوظًا بسبب الأوضاع الأمنية التى تمر بها المحافظة، حيث أصبح من الصعب جنى وبيع ثمار الخوخ للتجار القادمين من محافظات غرب القناة، لافتين إلى أن هذا الوضع لا ينطبق فقط على ثمار الخوخ ولكن أيضًا على جميع مزارع الموالح الواقعة جنوب مدينة رفح.
"ربنا وحده اللى عالم بالحال" هكذا عبر سلمان جمعة، أحد أصحاب مزارع الخوخ فى مدينة رفح، عندما سألناه عن أوضاع سوق الخوخ هذ العام، والذى أكد أن سوق الخوخ عامًا بعد عام تنهار منذ عام 2012، والأوضاع لا تبشر بأى خير خاصة أن من يمتلك مزرعة جنوب مدينة رفح فى الغالب لا يستطيع الدخول إلى مزرعته طوال العام للاهتمام بالأشجار، فالأوضاع الأمنية تحول بين المزارعين ومزارعهم فى مدينة رفح.
ويوضح الشاب الثلاثينى أن الأزمة متكررة طوال العام، فموسم الخوخ الشتوى يبدأ من أواخر شهر أبريل حتى منتصف شهر مايو، وخلال هذه الفترة يصعب على المزارعين أصحاب المزارع جنوب مدينة رفح الدخول إلى مزراعهم وجنى محصولهم، ولكن الأشجار طوال العام تحتاج إلى رعاية مثل الإنسان حتى تكبر وتثمر لحين موسم الحصاد، وهنا أساس الأزمة فالأوضاع الأمنية تحول بيننا وبين مزارعنا، فلا يستطيع المزارعون تخفيف حمولة الأشجار من الثمار فى فترات معينة من العام حتى تكون الثمار فرز أول، ولا يستطيع المزارعون تقليم أو "تجزيم" أشجارهم أيضًا مما يؤثر على الشجر ويقلل من إنتاجها.
وتابع: أن فكرة حرث الأرض أصبحت ضربًا من الخيال، بعد أن قام المسلحون بزرع كميات كبيرة من الألغام لاستهداف الحملات العسكرية أثناء سيرها داخل الزراعات، مما جعل المزارعين يخشون من عمليات حرث الأرض، لافتًا إلى أن أحد المزارعين قتل خلال حرثه لأرضه باستخدام الجرار الزراعى بعد أن انفجر فيه لغم أرضي. أما محمد عمر "مزارع" فيؤكد أن المحاصيل الزراعية سواء الخوخ أو الموالح التى تشتهر بها شمال سيناء قُضى عليها تمامًا بسبب سوء الأوضاع، مضيفًا أن الأسمدة الكيماوية الزراعية مُنعت تمامًا من دخول مدينة رفح، مما جعل أسعارها تزداد الضعف، فوصل سعر شيكارة الكيماوى إلى أكثر من 200 جنيه من أصل 100 جنيه فى الأوضاع الطبيعية. وأشار إلى أن هناك مزارع بالكامل تترك للعوامل الطبيعية بسبب صعوبة الوصول إليها بشكل دوري لرعايتها، مما جعل العشب يزداد ويكبر بشكل كبير حول الأشجار مما يضعف نموها ويقلل إنتاجها.
وتابع: التجار من غرب القناة يستغلون الوضع المتردى فى شمال سيناء ويشترون الخوخ والمحاصيل الأخرى بأسعار رخيصة للغاية، حتى إن طن الخوخ وصل إلى 1500 جنيه من أصل 3500 جنيه خلال أعوام سابقة، لافتًا إلى أن الخوخ فى الأسواق خارج سيناء يباع الكيلو منه ب6 و7 جنيهات، ويقوم التجار بشرائه من مزارعى سيناء ب 150 قرشًا مستغلين الظروف واضطررنا للموافقة على تلك الأسعار. يذكر أنه خلال شهرى يونيو ويوليو، هناك موسم آخر للخوخ الصيفى أو البلدى وتكون ثمرته أصغر من ثمرة الموسم الشتوى الحالى ولكنه أعلى سعرًا لأن شجرته تسقى من مياه الأمطار، ويصل سعر الكيلو منه إلى 7 و8 جنيهات، ولكنه العام الماضى بيع ب5 جنيهات فقط، مؤكدًا أن هناك أشجارًا تركت ثمارها عليها كما هى ولم نستطع الوصول إليها، مشيرًا إلى أن ارتفاع سعر الكيلو من هذا النوع يرجع إلى أن عدد الأشجار التى تنتجه محدودة إلى حد ما. أشجار الزيتون حالها ليست ببعيدة عن حال أشجار الخوخ، حيث أكد عدد من المزارعين أن مزارع كاملة تم تجريفها، ولم يحصل على التعويضات سوى 30% فقط من المزارعين. وأكدوا أيضًا أن عمليات التجريف أثرت أيضًا على كميات الإنتاج من الزيتون، فوصل سعر الكيلو الموسم الماضى إلى 2 جنيه، ووصل سهر جركن زيت الزيتون إلى 16 جنيهًا والعلبة الصفيح أو ما يطلق عليها "التنكة" إلى 500 جنيه بدلًا من 250 جنيهًا سابقًا، فضلًا عن أن الأوضاع الأمنية حالت دون وصول المزارعين إلى مزارعهم مما دفعهم إلى ترك حبات الخوخ تموت ببطء على الأشجار. فى السياق نفسه، أجبرت الأوضاع المتردية فى شمال سيناء بعض المزارعين إلى هجرة أراضيهم ومزارعهم والتوجه غرب قناة السويس إلى محافظاتالإسماعيلية والإسكندرية والبحيرة، ليبدأوا حياة جديدة بعيدًا عن الحملات الأمنية وألغام الجماعات المسلحة .