أسعار العملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء 7 مايو 2024.. اليورو ب51.40 جنيه    تبادل إطلاق نار بين حماس وإسرائيل قرب بوابة معبر رفح من الجانب الفلسطيني    شاهد.. تجهيز لجان امتحانات الترم الثاني بمدارس القاهرة لاستقبال الطلاب غداً    فرصة للمخالفين في البناء.. بدء تلقي طلبات التصالح اليوم بالمحافظات    سعر الدولار بالجنيه اليوم الثلاثاء 7-5-2024 .. الآن في البنوك والسوق السوداء بعد الإجازة    أسعار الخضروات اليوم الثلاثاء 7-5-2024 في قنا    أسعار الأسمنت اليوم الثلاثاء 7 - 5 - 2024 في الأسواق    سعر كيلو العدس، أسعار العدس اليوم الثلاثاء 7-5-2024 في الأسواق    اليوم.. مجلس النواب يناقش حساب ختامي موازنة 2022/2023    ماذا نعرف عن مدينة رفح التي تهدد إسرائيل باجتياحها عسكرياً؟    إصابة الملك تشارلز بالسرطان تخيم على الذكرى الأولى لتوليه عرش بريطانيا| صور    الجيش الإسرائيلي: تم إجلاء الغالبية العظمى من السكان في منطقة العمليات العسكرية شرقي رفح    صباحك أوروبي.. صراع أرسنال وسيتي.. مصير جواو فيليكس.. وثقة ميلان    تشكيل الأهلي المتوقع لمواجهة الاتحاد السكندري بالدوري    ميدو: الزمالك رفض التعاقد مع علي معلول    5 محافظات تشهد سقوط أمطار متفاوتة الشدة | عاجل    اليوم، عرض عصام صاصا على الطب الشرعي لإجراء تحليل مخدرات    حالة الطرق اليوم، كثافات متحركة بمحور صفط اللبن وشارعي شبرا مصر ورمسيس    الزراعة: 35 ألف زائر توافدوا على حدائق الحيوان والأسماك في شم النسيم    بعد قليل.. بدء محاكمة المتهم بإنهاء حياة طفلة مدينة نصر    غدًا.. انطلاق امتحانات نهاية العام لصفوف النقل والشهادة الإعدادية بالوادي الجديد    7 نصائح لعلاقة ودية بعد الانفصال مثل ياسمين والعوضي.. «ابتعدي عن فخ المشاكل»    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 7-5-2024    هل يجوز أداء سنة الظهر القبلية أربع ركعات متصلة.. مجدي عاشور يوضح    صدق أو لاتصدق.. الكبد يستعد للطعام عندما تراه العين أو يشمه الأنف    ياسمين عبد العزيز:" عملت عملية علشان أقدر أحمل من العوضي"    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الثلاثاء 7 مايو 2024    «القاهرة الإخبارية» تعرض لقطات لفض شرطة الاحتلال بالقوة المظاهرات في تل أبيب    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    ياسمين عبدالعزيز: «بنتي كيوت ورقيقة.. ومش عايزة أولادي يطلعوا زيي»    صدقي صخر: تعرضت لصدمات في حياتي خلتني أروح لدكتور نفسي    خبير لوائح: أخشي أن يكون لدى محامي فيتوريا أوراق رسمية بعدم أحقيته في الشرط الجزائي    رامي صبري يحيي واحدة من أقوى حفلاته في العبور بمناسبة شم النسيم (صور)    وسائل إعلام أمريكية: القبض على جندي أمريكي في روسيا بتهمة السرقة    مصر تستعد لتجميع سيارات هيونداي النترا AD الأسبوع المقبل    ميلكا لوبيسكا دا سيلفا: بعد خسارة الدوري والكأس أصبح لدينا حماس أكبر للتتويج ببطولة إفريقيا    شبانة ينتقد اتحاد الكرة بسبب استمرار الأزمات    كريم شحاتة: كثرة النجوم وراء عدم التوفيق في البنك الأهلي    أمين البحوث الإسلامية: أهل الإيمان محصنون ضد أى دعوة    صدقي صخر يكشف مواصفات فتاة أحلامه: نفسي يبقى عندي عيلة    صليت استخارة.. ياسمين عبد العزيز تكشف عن نيتها في الرجوع للعوضي |شاهد    الفرح تحول ل مأتم.. أول صورة ل شاب لقى مصرعه في حادث مروري خلال زفة عروسين بقنا    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    البيت الأبيض: لا ندعم أي عملية عسكرية إسرائيلية تستهدف المدنيين الفلسطينيين برفح    الدوري الإنجليزي، مانشستر يونايتد يحقق أكبر عدد هزائم في موسم واحد لأول مرة في تاريخه    "أنا مش بحبه أنا بعشقه".. ياسمين عبد العزيز تدخل في نوبة بكاء    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    الأوقاف تعلن افتتاح 21 مسجدا الجمعة القادمة    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    "يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 وأجمل عبارات التهنئة بالعيد    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    بعد الفسيخ والرنجة.. 7 مشروبات لتنظيف جسمك من السموم    للحفاظ عليها، نصائح هامة قبل تخزين الملابس الشتوية    كيفية صنع الأرز باللبن.. طريقة سهلة    أستاذ قانون جنائي: ما حدث مع الدكتور حسام موافي مشين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ننفرد بنشر مقتطف من الجزء الثاني من رواية «لعبة العروش»
نشر في التحرير يوم 21 - 03 - 2016

المترجم هشام فهمي خص "التحرير" بمقتطف من الجزء الثاني من رواية "لعبة العروش"، التي ستصدر بعنوان "صدام الملوك".
ولعبة العروش هي سلسلة من الروايات الخياليّة من كتابة المؤلف الأمريكي جورج آر. آر مارتن. بدأ بكتابة الجُزء الأوّل منها في عام 1991 ونُشرت في عام 1996. ويهدف جورج لإيصالها ل7 أجزاء، وقد لمّح كذلك أنه من الممكن أن تمتدّ السلسلة لجُزءٍ ثامن. الجدير بالذكر أن الجزء الخامس من السلسلة استغرق منهُ 5 سنواتٍ لكتابته قبل نشره في 2011. حاليًّا يعمل على كتابة الجُزء السادس الذي سيحمل عنوان رياح الشتاء.
تقعُ أحداث الروايات في قارّتين خياليتين هما ويستروس وإيسوس في نهاية صيف طويل جدا. تروي الفصول قصة الأبطال من منظورهم الشخصي. بالإضافة لوجود ثلاثة مسارات سائِدَة للقصة هي: حرب العائلات النبيلة في قارة ويستروس للسيطرة عليها، والتهديد المتزايد من الحدود الشماليّة، ومساعي دينريس تارغاريان ابنة الملك المنفي لاستعادة عرش أجدادها المسلوب.
استلهم مارتن قصّته من حرب الوردتين التي دارت على مدار ثلاثة عقودٍ حول الأحق بكرسي العرش في إنجلترا بين عائلة لانكاستر ويورك، واستلهمها كذلك من سلسلة الروايات التاريخية الملوك الملعونون لمؤلّفها موريس دريون. وتلقّى جورج مديحًا من النُقّاد لرواياته وعبقريته في خلط موضوعات الرواية وتصويره للمرأة والدين وخلط العالم الواقعي بالسحري. كما مدحوا أسلوبه والتنوع في أحداث الرواية والإثارة التي تقع في نفس القارئ. ولكنهم أيضًا ذموا كثرةَ استخدام الجنس والعُنف واللا أخلاقيات في سلسلته.
نالت السلسلة شُهرةً عالميّة وصل عدد مبيعات السلسلة لأكثر من 24 مليون نُسخة في أمريكا الشماليّة وحدها بحلول سبتمبر 2013. وتُرجمت لأكثر من 45 لغة، وصدر الجزء الأول لعبة العروش بالعربية عن دار التنوير للنشر للمترجم هشام فهمي في نهاية عام 2015 ويتوقع نزول الجزء الثاني صيف 2016 تحت عنوان صدام الملوك. وقد تصدر الجزء الرابع والخامس قائمة نيويورك تايمز لأفضل الكُتب مبيعا. واستُمدّ الكثير من الأعمال الأخرى على هذه السلسلة، فقد أُنتجَ مُسلسلٌ تليفزيوني يحمل اسم صراع العروش مبني على الروايات، وثلاثُ روايات فرعيّة من تأليف جورج نفسه، ولعبة ورقية ونردية، ولعبة فيديو سَتصدُر في نهاية العام الجاري، ومجموعة قصص مصورة.
شَقَّ ذيل المذنَّب الفَجر كجرحٍ أحمرَ ينزف من باطن السَّماء التي اصطبغَت بمزيجٍ من الوردي والأرجواني فوق جروف دراجونستون.
كان المِايستر يقف في الشُّرفة المكشوفة للرِّيح في خارج مسكنه. إلى هنا تأتي الغِدفان بَعد التَّحليق الطَّويل، وقد لوَّثت فضلاتها التِّمثالين اللذين يرتفع كلٌّ منهما اثني عشر قدمًا على جانبيه، أحدهما يُمَثِّل وايڤرن1 والآخَر كلبًا من كلاب الجحيم، بينما يطلُّ من على أسوار القلعة العتيقة ألفٌ من الكراجل2 الأخرى. كان جيش المسوخ الحجريَّة يُصيبه بعدم الرَّاحة في بداية مجيئه إلى دراجونستون، لكنه اعتادَ وجودها مع مرور الزَّمن حتى باتَت بمثابة أصدقاءٍ له؛ والآن وقفَ بين صديقيه هذين ليتطلَّع ثلاثتهم إلى السَّماء بتوجُّس.
لم يكن المِايستر كرسن يؤمن بالنُّذر، وعلى الرغم من سنوات عُمره المديد لم يسبق له أن رأى مذنَّبًا لامعًا كهذا على الإطلاق، أو بهذا اللَّون الرَّهيب، لون الدَّم واللَّهب والغروب. تساءلَ إن كانت كراجله رأت مثيلًا له من قبل، فقد سبقَ وجودها هنا وجوده بزمنٍ طويلٍ للغاية، وستظلُّ هنا بَعد أن يرحَل بكثير. ليت الألسنة الحجريَّة قادرة على الكلام...
استندَ إلى سور الشُّرفة شاعرًا بملمس الأحجار السَّوداء الخشن تحت أصابعه والأمواج تتلاطَم في الأسفل، وقال لنفسه: كراجل متكلِّمة ونبوءات في السَّماء، يا للحماقة! أيصحُّ أن أفكِّر كطفلٍ طائشٍ وأنا رجلٌ هَرِمٌ يقف على عتبة القبر؟ هل تخلَّت عنه الحكمة التي لم يدَّخر جهدًا طوال حياته لاكتسابها كما تخلَّت عنه صحَّته وقوَّته؟ إنه مِايستر تعلَّم وتدرَّب في قلعة البلدة القديمة العظيمة، وهناك طوَّق عُنقه بسلسلة جماعته، فإلى أيِّ شيءٍ أضحى الآن وقد ملأَت الخُرافة رأسه كأنه مجرَّد فلَّاحٍ أجيرٍ جاهل؟
ومع ذلك... ومع ذلك... كان المذنَّب يتَّقد طوال الوقت الآن، حتى في النَّهار، بينما يتصاعَد البُخار الرَّمادي الباهت من فتحات بُركان دراجونمونت السَّاخنة وراء القلعة، وصبيحة الأمس أتى غُداف أبيضَ حاملًا خبرًا من ”القلعة“ نفسها، خبرًا طالَ توقُّعه وطالَ الخوف من مجيئه، خبرًا يُعلِمهم بنهاية الصَّيف. نُذُرٌ كلها، وأكبر عددًا من أن يُنكِرها أو يتجاهَلها. كان يُعاني من الرَّغبة في أن يَصرُخ بأعلى صوته: ما الذي يعنيه كلُّ هذا؟!
- «مِايستر كرسن، لديك ضيوف»، قال پايلوس بصوتٍ خافتٍ كأنه يكره مُقاطَعة كرسن أثناء تأمُّلاته الوقور، بينما لو أدركَ الهراء الذي ملأَ رأس العجوز لحظتها لصاحَ دهشةً. «الأميرة ترغب في رؤية الغُداف الأبيض». پايلوس على صوابٍ دائمًا، والآن كان يدعوها ”الأميرة“ بما أن السيِّد والدها ملك؛ ملك لصخرةٍ في عرض البحر المالح العظيم تتصاعَد منها الأدخنة والأبخرة، لكنه ملك على الرغم من ذلك. «المهرِّج معها كذلك».
أدارَ العجوز ظَهره للفَجر وقد أبقى يده على تمثال الوايڤرن كي يقف بثبات، وقال: «خُذني إلى مقعدي ودَعهما يَدخُلان».
أمسكَ پايلوس ذراعه وقادَه إلى الدَّاخل. في شبابه كان كرسن يمشي بخطواتٍ سريعةٍ رشيقة، لكنه الآن يدنو من يوم ميلاده الثَّمانين، وساقاه أصبحتا هشَّتين مرتعشتين. قبل عامين سقطَ المِايستر وكسرَ وَركه، ومنذ ذلك الحين والكسر لم ينجَبر كما ينبغي، وفي العام الماضي عندما كان طريح فِراش المرض، أرسلَت ”القلعة“ پايلوس من البلدة القديمة قبل أيامٍ قلائل من إغلاق اللورد ستانيس للجزيرة. قالوا إنه جاءَ ليُساعِده في مهامِّه، لكن كرسن كان يعرف الحقيقة، أن پايلوس هنا ليحلَّ محلَّه عندما يموت. لم يكن يُمانِع، فعلى أحدهم أن يأخذ مكانه في النِّهاية، وبأسرع مما كان ليرغب في الحقيقة.
تركَ الرَّجل الشَّاب يُساعِده على الجلوس وراء كُتبه وأوراقه، ثم قال: «اذهب وتعالَ بها. من الذَّميم أن تَترُك الليدي تنتظر»، ولوَّح بيده بحركةٍ تدلُّ على العُجالة من رجلٍ لم تَعُد العُجالة شيئًا يقوى عليه. كانت بشرته مجعَّدةً مليئةً بالبُقع، والجلد رقيقًا كالورقة حتى إنه يستطيع أن يرى شبكة العروق وأشكال العظام من تحته، ولكم صارت يداه دائمتي الارتجاف، هاتان اليدان اللتان طالما كانتا ثابتتين قويَّتين في الماضي.
عادَ پايلوس والفتاة معه وقد بدَت خجولًا كالمعتاد، ومن ورائها جاءَ مهرِّجها بمشيته الجانبيَّة الغريبة التي تجمع بين جَرِّ القدمين والتَّواثُب، وقد وضعَ على رأسه خوذةً مصنوعةً من صفيح دلوٍ قديم، رُبِطَ حول قمَّتها حزام ثُبِّتَت فيه قرون وعلٍ يتدلَّى منها عدد من الأجراس الصَّغيرة التي تُعَلَّق في أعناق الأبقار، ومع كلِّ خطوةٍ متمايلةٍ يخطوها كانت الأجراس تُجَلجِل فيُصدِر كلٌّ منها رنينًا مختلفًا عن الآخَر، كلانجا-دانج بونج-دونج رينجا-لينج كلونج كلونج كلونج!
قال كرسن: «مَن جاءَ لزيارتنا في هذه السَّاعة المبكِّرة يا پايلوس؟».
أجابَته الطِّفلة وعيناها الزَّرقاوان تَرمُقانه بنظراتهما البريئة: «إنها أنا أيها المِايستر، ومعي ذو الوجه المرقَّع». وجهها هي لم يكن بالوجه الجميل للأسف، فمن السيِّد والدها ورثَت فكَّه المربَّع البارز، ومن أمِّها الأُذنين الكبيرتين، وأضيفَ إلى هذا التشوُّه الذي أصابَها، والذي تبقَّى معها كتذكارٍ دائمٍ لصراعها مع الدَّاء الأرمد الذي كادَ يقضي عليها وهي لا تزال في المهد. عبر نِصف وجنتها وبطول عُنقها كانت بشرتها جافَّةً ميتةً، وقد تشقَّق جلدها وتقشَّر وشاعَت فيه البُقع السَّوداء والرَّماديَّة، فإذا لمسته فكأنك تلمس حجرًا. «پايلوس قال إننا نستطيع أن نرى الغُداف الأبيض».
رَدَّ كرسن: «بكلِّ تأكيد». كأنه يقدر على أن يحرمها من هذا وقد حُرِمَت بالفعل من الكثير جدًّا في سنينها القليلة. كان اسمها شيرين، وفي يوم ميلادها القادم ستصير في العاشرة من عُمرها، وهي أتعس طفلةٍ عرفها المِايستر كرسن في حياته على الإطلاق. قال العجوز لنفسه: تعاستها هي عاري، علامة أخرى على فشلي، ثم قال مخاطِبًا الشَّاب: «مِايستر پايلوس، هلَّا تفضَّلت بإحضار الطَّائر من المِغدفة 3 لتراه الليدي شيرين؟».

- «بكلِّ سرور». كان پايلوس شابًّا مهذَّبًا، لا يتجاوَز الخامسة والعشرين من العُمر، لكن شديد الوقار كرجلٍ في الستِّين. ليته فقط يتحلَّى بالمزيد من حِسِّ الدُّعابة، بالمزيد من الحياة، فهذا بالضَّبط ما يحتاجه هذا المكان. الأماكن الجهيمة في حاجةٍ إلى الخفَّة وليس الوقار، ودراجونستون بلا أدنى شَكٍّ مكان جهيم، قلعة وحيدة تقف في منتصَف هذا القَفر البليل، لا يُحيط بها غير الملح والعواصف، بينما يُلقي عليها الجبل الدَّاخن ظلَّه من الوراء. على كلِّ مِايستر أن يذهب حيث أرسَلوه، وقد جاءَ كرسن إلى هنا مع سيِّده اللورد قبل اثني عشر عامًا، ولقد قضى تلك الأعوام في الخدمة، وأبلى بلاءً حسنًا في خدمته، وإن كان لم يستطِع قَطُّ أن يُحِبَّ دراجونستون أو يَشعُر أنها بيته حقًّا. في الآونة الأخيرة كان كثيرًا ما يستيقظ من أحلامه المزعجة التي تُسيطِر عليها المرأة الحمراء، ليجد أنه لا يُدرِك أين هو.
أدارَ المهرِّج وجهه المرقَّع بالألوان ليُراقِب پايلوس وهو يصعد الدَّرجات الحديديَّة المنحدِرة إلى المِغدفة، فرنَّت الأجراس مع حركة رأسه، وقال: «تحت البحر الطُّيور تكسوها الحراشف بدلًا من الرِّيش. أعرفُ، أعرفُ، أوه، أوه، أوه».
حتى بالنِّسبة لمهرِّجٍ، كان ذو الوجه المرقَّع شيئًا مثيرًا للشَّفقة حقًّا، فلربما كان في الماضي يستطيع أن يُفَجِّر الضَّحكات بدُعابةٍ صغيرة، لكن البحر استلبَ منه هذه الموهبة، ومعها نِصف عقله وذاكرته كلها. كان بدينًا ضعيفًا وكثيرًا ما يُصيبه التشنُّج والرَّعشة، وفي أغلب الأحيان لا يُمكنك أن تفهم شيئًا مما يقوله. الفتاة كانت الوحيدة التي يُضحِكها الآن، الوحيدة التي تُبالي بحياته أو موته.
فتاة صغيرة قبيحة ومهرِّج حزين، والمِايستر ثالثهم... حكاية كفيلة بإراقة دموع الرِّجال. أشارَ كرسن إليها بالاقتراب قائلًا: «اجلسي معي يا طفلتي. الوقت مبكِّرٌ للغاية على الزِّيارات. الفَجر طلعَ منذ قليلٍ فقط، ومن المفترَض أن تكوني متدثِّرةً في فِراشك».
قالت شيرين: «رأيتُ أحلامًا مخيفةً. كانت التَّنانين قادمةً لتأكلني».
كانت الصَّغيرة مبتلاةً بالكوابيس منذ فترةٍ أطول من أن يتذكَّرها كرسن، فقال لها بلهجةٍ لطيفة: «لقد تكلَّمنا عن هذا من قبل، الحياة لا يُمكن أن تَدُبَّ في التَّنانين لأنها منحوتة من الحجارة يا صغيرتي. في الماضي البعيد كانت جزيرتنا أقصى نُقطة مراقَبة غربيَّة تابعة لمعقل ڤاليريا الحُر العظيم، والڤاليريُّون هُم من شيَّدوا القلعة، وكانت لديهم طُرق لتشكيل الحجارة لم نَعُد نُدرِكها. ينبغي في كلِّ قلعةٍ أن يُقام بُرج حيثما يلتقي سوران من أجل الدِّفاع عنها، وقد أقامَ الڤاليريُّون هذه الأبراج على شكل تنانين كي يجعلوا قلعتهم تبدو مهيبةً أكثر، تمامًا كما توَّجوا الأسوار بألفٍ من الكراجل بدلًا من التصميم التقليدي»، وأخذَ يدها الورديَّة الصَّغيرة في يده المرقَّعة الهشَّة واعتصرَها برقَّةٍ مضيفًا: «ليس هناك ما يستحقُّ الخوف إذن كما ترين».
قالت شيرين وقد بدا عليها عدم الاقتناع: «وماذا عن هذا الشَّيء في السَّماء؟ دالا وماتريس كانتا تتكلَّمان عند البئر، وقالت دالا إنها سمعَت المرأة الحمراء تقول لأمِّي إنه أنفاس التَّنانين. إذا كانت التَّنانين تتنفَّس، ألا يعني هذا أن الحياة تَدُبُّ فيها بالفعل؟».
قال المِايستر كرسن لنفسه بامتعاض: المرأة الحمراء. سيِّئٌ بما فيه الكفاية أنها ملأَت رأس الأمِّ بالجنون، أفيجب أن تُسَمِّم أحلام البنت كذلك؟ عليه أن يُوَجِّه تحذيرًا صارمًا لدالا ويقول لها ألَّا تَنشُر تلك الحكايات. «الشَّيء الذي في السَّماء مذنَّب يا حُلوتي، نجم مذيَّل ضائع في الأعالي، وسيختفي عمَّا قريب ولن نراه في حياتنا هذه ثانيةً. سترين».
أجابَته شيرين بهزَّةٍ شُجاعةٍ من رأسها، ثم قالت: «أمِّي تقول إن الغُداف الأبيض يعني أن الصَّيف انتهى».
- «هذا صحيح يا سيِّدتي، فالغِدفان البيضاء تأتي من ”القلعة“ في البلدة القديمة فقط»، وتحسَّس كرسن السِّلسلة المحيطة بعُنقه، والتي صُنِعَت كلُّ حلقةٍ فيها من معدنٍ مختلف يَرمُز إلى إتقانه لفرعٍ من فروع المعرفة. سلسلة المِايستر هي العلامة المميِّزة لجماعته، وكان كرسن يرتدي سلسلته في ريعان شبابه بمنتهى البساطة، أمَّا الآن فقد صارَت تُثقِل عُنقه وتُشعِره بملمسها البارد على جلده. «إنها أكبر حجمًا وأذكى من الغِدفان الأخرى، وتُرَبَّى على حمل أهمِّ الرَّسائل على الإطلاق. هذا الغُداف جاءَنا ليُعلِمنا بأن مجمع المِايسترات انعقدَ ودرسَ التَّقارير والقياسات التي قامَ بها كلُّ مِايستر في جميع أنحاء البلاد، وأعلنَ أن هذا الصَّيف العظيم قد انتهى أخيرًا بَعد أن دامَ عشرة أعوام ودورتين قمريَّتين وستَّة عشر يومًا؛ أطول صيفٍ في ذاكرة البَشر».
_____________________________
1- الوايڤرن مخلوق أسطوري شبيه بالتنِّين، لديه جسد كالسحلية وساقان وذيل سمكة، ولا ينفث النَّار.
2- الكرجل مخلوق أسطوري آخَر ذو مظهر مشوَّه مخيف، تم تصويره في منحوتات عدَّة، وبالأخص على الجدران الخارجيَّة لعددٍ من كنائس العصور الوُسطى على شكل ميزاب ناتئ.
3- المِغدفة عبارة عن قفص كبير بمثابة عُش لطيور الغُداف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.