أصحو في الثامنة ،صارت تلك هي دقات عقارب ساعتي البيولوجية التي لا تعرف في العادة أي قدر من "الأنتخة"، أتصفح الجرائد بسرعة و ألحظ قدرا من الجمود، الجرائد التي دأبنا على وصفها بالقومية تتشابه في المانشيت مع تلك التي نطلق عليها المستقلة، لا الأولى كذلك ولا الثانية أيضا. تبقى صفحات الفن دائما هي واحدة من الاهتمامات الأولى بحكم التخصص، الدعوات الأخلاقية في تقييم الفن تأخذ مساحة تزداد طرديا بعد أن انضمت للقافلة النقابات الفنية، عدد من النجوم استشعروا أن هذا هو التوجه القادم للدولة فقرروا المزايدة، برامج التووك شو المسائية صارت تفضل أن تلعب داخل دائرة الفن، فهو في ما يبدو الأكثر أمانًا، أمس كنت أفكر في العمود الذي اكتبه، أكثر من فكرة على أن اختار واحدة، أتذكر أن أمامي ساعات قليلة ساعتين أو ثلاث، الحسم مطلوب لأن الوقت ينفد بسرعة. التوتر الجميل صار جزءَ من طقوسي و من المؤكد ترك شيء على ملامحي ،هكذا كانت حياتي خلال السنوات العشر الأخيرة دائما هناك دين على أن أسدده كل صباح، حتى بدأنا نسمع عن تغيير ما، مع الأسف ليس مجرد تغيير ولكن هذه المرة إغلاق، لم أأخذ الأمر بجدية هناك دائما أخبارا كاذبة تتناثر، كما أنها لم تكن المرة الأولى، استبعدت تماما فكرة الإغلاق، بعد يوم أو اثنين قرأت خبر صفحة أولي بيان من مجلس إدارة الجريدة، هل هناك ما هو أكثر مباشرة من ذلك ،وان 31 أغسطس هو اليوم الأخير للنشر الورقي ،تجاهلت تماما البيان. أكتب العمود اليومي وكأن الأمر لا يعنيني، أحاول أن أتواجد على موجة القارئ، أمس كتبت عن مسرحية "ليلة من ألف ليلة"، وكنت أنوي اليوم أن أكتب عن هاني شاكر الذي يلعب حاليا دور "أبو الوفا" في فيلم "سلامة " هادم الملذات ومفرق الجماعات ، تحول من نقيب إلى رقيب، إدارة التحرير أكدت أن اليوم هو عدد خاص وأننا وصلنا إلى شاطئ الوداع وعلينا أن نقول للقارئ نكتفي بهذا القدر، لن نلتقي بعد الفاصل. أحببت هذه الجريدة التي ولدت بعد ثورة 25 يناير ببضعة أشهر فهي الابنة الشرعية لجريدة الدستور، التي توقفت في إطار صفقة كان الهدف منها إسكات هذا الصوت المعارض لمبارك، على الفور انتقلنا إلى الموقع الإلكيتروني الذي كان يملكه الكاتب الصحفي إبراهيم عيسي وأطلق عليه منذ ذلك الحين "الدستور الأصلي"، عدد من الصحفيين أكمل المعركة مع إبراهيم، وواصلنا الكتابة على الموقع مجانا ،عندما قامت ثورة 25 يناير استشعرت أهمية أن تصبح لك مساحة مستقلة تعبر فيها عن نفسك، كان الموقع أحيانا يتلقي مني عمودين أو ثلاثة في اليوم، سرعة إيقاع أحدث الثورة لا تسمح بالانتظار، ميزة استثنائية أن تكتب أكثر من عمود، وهكذا استمرت الرحلة حتى عدنا مع التحرير للكتابة اليومية الورقية وتقريبا مع نفس الوجوه، وتبدل أسم مالك الجريدة. ظلت السياسة واحدة فهي تتحرك في إطار هامش من الحرية، أصبح الكاتب الصحفي إبراهيم منصور رئيسا للتحرير وانضمت كوكبة رائعة من كتاب الأعمدة، أسماء عديدة من الكتاب الصحفيين أيضا رشحوا لمواقع قيادية مثل العزيزين على السيد وأنور الهواري، لن تجد غدا مطبوعة ورقية اسمها التحرير مثلما اختفت قبلها قناة فضائية اسمها التحرير، هل اسم التحرير صار غير مرحبًا به، الموقع سوف يستمر بنفس الاسم إذن الأمر ليس له علاقة باسم التحرير. ويبقي أن أقول أنه في ظل رئاسة تحرير كل من إبراهيم عيسي ثم إبراهيم منصور لم يحدث أن تدخل أحد في العمود الذي أكتبه بالحذف أو حتى بالتأجيل، أنها شهادة حق اكتبها الآن وغدا سنلتقي.