قمامة الإسكندرية فى مكانها الطبيعى تماما، حيث يجب أن تكون، على الأرض، لتتحول من مدينة كانت يوما عروس البجر الأبيض إلى صندوق قمامة كبير. نعم الإسكندرية ليست محافظة ولا هى مدينة، الإسكندرية ليست إلا مزبلة هائلة تخترقها عمارات سكنية شاهقة شديدة القبح تحجب الشمس وتمنع سريان الهواء، وكلها مخالفة للقانون، كانت يوما فيلات رائعة وعمارات جميلة وحدائق غناء وشوارع محاطة بالأشجار. جولة صغيرة على الأقدام لتجد كل شىء ملقى هناك على الأرض، أوبن بوفيه.. كل شىء، زجاجات ماء فارغة، علب مياه غازية فارغة، أكياس شيبسى، أغلفة ورقية لبقايا ساندوتشات، وأكياس بيلاستيكية تحمل أسماء مطاعم شعبية شهيرة، وساخة وقذارة فى كل مكان، على أجناب الأرصفة وتحت السيارات المتوقفة، جلست على مقهى مواجه للبحر من تلك المقاهى الصغيرة ذات الكراسى البلاستيكية البيضاء أحضره لى صاحب النصبة وهو يقول اتفضل يا باشا، وضعه لى بالضبط بجوار كومة أوراق وزجاجات بلاستيك ملقاة على الأرض وكأنه لا يراها. الرجل متوائم تماما مع بيئته ويحيا فى سلام تام مع نفسه دون أن يفكر حتى فى تنظيف المكان حوله والذى هو مصدر رزقه، وذلك الفندق الفاخر على شاطئ سيدى بشر، فندق الهيلتون الذى كان رمادا سابقا ومدخله يطل على شارع خالد بن الوليد، وعلى بعد أمتار ليلة فقط من مدخله لا تزيد على العشرة تجد إلى اليسار الشارع مقلبا للزبالة هائل الحجم ممتلئا عن آخره والأرض من حوله مفروشة بجبال من القمامة ورائحة الهواء لا تطاق تشجيعا للسياحة! جلست أتأمل وأتذكر السيارة التى كانت تسير أمامى فى الطريق الصحراوى المتجه إلى الإسكندرية، كانت سيارة من موديل جيد تقول إن ركابها لا يشكون الفقر، وكانوا جميعا يأكلون الذرة المشوية ويشربون المياه الغازية، كيف عرفت؟ من العلب المعدنية وقوالح الذرة التى كانت تتطاير من الشبابيك إلى الشارع مباشرة! ما الذى جرى لنا؟!! حرم الترام مزبلة شاملة كاملة بما فى ذلك الترام المكيف أبو كافيتيريا بتاع المحافظ الجديد العجيب أبو سيارة فاخرة جدا ذات دفع رباعى. الأمر المثير للسخرية أنك إذا نظرت إلى الأعلى قليلا تجد على أعمدة إشارات المرور لافتات إلكترونية حمراء تقول «مواعيد جمع القمامة فى الساعة كذا..»، تنظر إلى اللوحة المضيئة فتظن نفسك فى سويسرا، ثم تنظر إلى الأسفل فتجد نفسك فى قلب المزبلة! صديق زائر قال لى ساخرا إن المبانى فى مناطق كثيرة من بيروت لا تزال تحمل آثار الحرب الأهلية، أما هنا فرغم أن الإسكندرية لم تشهد حربا أهلية فإن مبانيها تقول لى غير ذلك، أجناب من الطوب الأحمر، ورقع أسمنتية ومواسير صدئة تبدو كأحشاء خروف مذبوح.. المسألة ليست فقط هؤلاء المسؤولين المهملين الذى غيروا وجه هذه المدينة التى كانت يوما من أجمل مدن المتوسط، وليس فقط فى هؤلاء الذين نجحوا بالفساد فى بناء تلك المبانى القبيحة المريعة المشوهة فى كل مكان، وهى ليست فقط فى مسؤولى النظافة المهملين بالمحافظة، ولكنها فينا نحن، نحن كبشر فقدنا الإحساس بالجمال والنظافة. الناس قاعدة على سور الكورنيش بتقزقز ترمس، وقشور الترمس فى كل مكان على الأرض تماما حول المكان الذى يجلسون فيه وتحت أقدامهم مباشرة آخر انبساط، رجل يبيع أكواب الشاى والقهوة والأكواب الفارغة بتاعت الزبائن ملقاة على الأرض فى كل مكان، قشر اللب وأعقاب السجائر... كارثة. ونتناسل بعنف ونتزاحم فى قلب القذارة، لاحظت أن كثيرا من السيدات اللائى يسرن فى الشارع إما حوامل وإما يجرجرن فى أياديهم عيالا صغارا بالتلاتة والأربعة والخمسة، نازلين من أوتوبيس أو يعبرون الطريق، يادى المصيبة حانروح فين تانى؟ لماذا نسى المسؤولون على مدار سنوات طويلة وضع أى مخططات للتوسع الأفقى بدلا من الاكتفاء بالمدن التى بناها الخواجة يهدمون فى مبانيها، ليقيموا فى ذات الأماكن عمارات أعلى على ذات الشوارع شديدة القبح وغريبة الألوان، بمبى مسخسخ وبنى محروق ثم ينحشر الكل ونغرق فى الزبالة، ثم تحاصر بالمدن بدلا من كل ذلك بالنمو العشوائى على الأطراف ودمتم!! أدعو كل من يتفضل ويقرأ هذا المقال إلى أن يتفضل بزيارة عروس البحر الأبيض المتوسط ولو ليوم واحد أو عدة ساعات واتفرج يا سلام.. اتفرج على المصيبة، على الجمال الذى شوهناه، اذهبوا إلى الإسكندرية لتتفرجوا على... الزبالة. التقطوا الصور وانشروها لعل مسؤولا يتحرك ضميره ويستيقظ.