بعد أحداث مجلس الوزراء أصبحت الرعاية المركزة فى مستشفى الهلال مكانا مألوفا بالنسبة إلىّ، وأغلب العاملين فيها اعتادوا على رؤيتى ودخولى وخروجى، كانت هذه الرعاية هى المكان الذى قضى فيه محمد مصطفى آخر أيامه، وكانت أيضا هى المكان الذى تعرفت فيه على واحد من أنقى شباب 6 أبريل اسمه أحمد رجب، كان مصابا برصاص العسكر فى بطنه، وأجريت له جراحة كبرى فى مستشفى الهلال ونجا من الموت فى ما يشبه المعجزة. فى السرير المجاور لأحمد رجب كان يرقد صبى فى غيبوبة، مصابا بعدة إصابات من ضمنها ارتجاج فى المخ، طلب منى الأطباء والممرضات أن أساعدهم فى البحث عن أهل المصاب، قالوا لى إنهم وجدوا معه شنطة مدرسة، أحضروها لنفتش محتوياتها ونحاول أن نعرف أى معلومة عن الصبى تقودنا إلى أهله، ثم طلبوا منى أن ألتقط له صورة بتليفونى المحمول وأحاول أن أعرضها على التليفزيون ربما يتعرف عليه أهله. كيف ولماذا تغيرت الأحوال فى مستشفى الهلال؟ يوم 28 يناير اتصلت بمدير الرعاية فى مستشفى الهلال «وهو نفسه الذى كان يديرها فى ديسمبر أيام أحداث مجلس الوزراء» وطلبت منه أن يبلغنى بأعداد وأسماء المصابين لأبلغها لصديقتى سحر، التى نذرت حياتها وحياة أصدقائها لمساعدة المصابين طوال العامين الماضيين، حتى أصبحت أتوقع مكالمتها بمجرد أن يبدأ الضرب، طلبت منى سحر أن أبلغها بأخبار مصابى «الهلال»، وأن أزورهم للتعرف على احتياجاتهم لتبدأ هى فى تقديم ما يمكنها من المساعدة. فى هذه المكالمة قال لى الدكتور حلمى الغوابى مدير الرعاية إنه منع الدكتورة منى مينا من دخول الرعاية. كان منفعلا وقال إنها قامت بتصوير مصاب فى أحداث سابقة دون استئذان وإنها عرضت الصورة على التليفزيون فى برنامج وائل الإبراشى، وإن هذا التصرف لا يتفق مع أخلاقيات الطبيب. رغم احترامى الشديد وإعجابى بكل ما تفعله منى مينا. ورغم ثقتى بأنها قدوة فى الأخلاقيات والمبادئ، أعرف أن منى مينا نموذج نادر للنقابية والطبيبة والمناضلة، ورغم أننى حاولت أن أوضح لدكتور حلمى ما تفعله هذه السيدة فإننى لم أتصور أن هذا الموقف يزيد على كونه خلافا شخصيا، أو عنادا رأيته كثيرا بين زملاء مهنة الطب، فى ما بعد بدأ يتضح لى تدريجيا أن الأمر فيه شىء يستحق الانتباه. لكننى للأسف لم أنتبه إلا بعد فوات الأوان. بعدها بأيام وبعد أن اكتشف أهل الجندى وجوده فى مستشفى الهلال، وبعد أن اتصل بى حمدين صباحى يطلب منى أن أدعو طبيب مخ وأعصاب كبيرا ليحاول أن ينقذ الجندى. طلبت من الدكتور عمر الصيرفى أستاذ الأمراض العصبية فى «قصر العينى» أن يذهب معى للكشف على محمد الجندى فى مستشفى الهلال فطلب منى أن أستأذن مدير الرعاية ففعلت، ورحب الدكتور حلمى بزيارة د.عمر واتفقنا أن تكون الجمعة قبل الصلاة.